الأغلب أنه يموت منه فمات فعليه القود، وإن ضربه بعمود أو بحجر لا يشدخ أو بحد سيف ولم يجرح أو ألقاه في بحر قريب البر وهو يحسن العوم أو ما الأغلب أنه لا يموت مثله فمات فلا قود فيه وفيه الدية مغلظة على العاقلة ".
والدليل على ثبوت شبه العمد ما روى هشيم عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة بن جوشن عن عقبة بن أوس السدوسي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنه صلى الله عليه وسلم خطب يوم فتح مكة، فقال في خطبته: " ألا إن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر فيه الدية مغلظة مائة من الإبل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها ". وروى إبراهيم عن عبيد بن نضلة الخزاعي عن المغيرة بن شعبة: " أن امرأتين ضربت إحداهما الأخرى بعمود الفسطاط فقتلتها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية على عصبة القاتلة وقضى فيما في بطنها بالغرة ". وروى يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: " اقتتلت امرأتان من هذيل فضربت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها ". ففي أحد هذين الحديثين أنها ضربتها بعمود فسطاط وفي الآخر أنها ضربتها بحجر. وقد روى أبو عاصم عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس: أن عمر بن الخطاب نشد الناس قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين، فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال: " إنني كنت بين امرأتين لي، وإن إحداهما ضربت الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة وأن تقتل مكانها ". وروى الحجاج بن محمد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس عن عمر بمثله، فذكر أبو عاصم والحجاج عن ابن جريج أنه أمر بقتل المرأة.
وروى هذا الحديث هشام بن سليمان المخزومي عن ابن جريج عن ابن دينار وسفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار بإسناده، ولم يذكرا فيه أنه أمر أن تقتل، وذكر أبو عاصم والحجاج أنه أمر أن تقتل المرأة، فاضطرب حديث ابن عباس في هذه القصة. وروى سعيد عن قتادة عن أبي المليح عن حمل بن مالك قال: " كانت له امرأتان فرجمت إحداهما الأخرى بحجر فأصاب قلبها وهي حامل فألقت جنينا فماتت، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية على عاقلة القاتلة وقضى في الجنين بغرة عبد أو أمة ". فكان حديث حمل بن مالك في إيجاب القود على المرأة مختلفا متضادا، وروي في بعض أخبار ابن عباس في هذه القصة بعينها القصاص ولم يذكره في بعضها، قال حمل بن مالك وهو صاحب القصة: " إن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الدية على عاقلة القاتلة " فتضادت الأخبار في قصة حمل بن مالك وسقطت وبقي حديث المغيرة بن شعبة وأبي هريرة في نفي القصاص من غير معارض.