أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٢٩٦
فأعطها عبدا وسطا وإن شئت قيمته دراهم " فليس فيما قلنا بيع دين بدين، والدية يقضي بها القاضي على العاقلة دراهم ولا يقبل منهم الإبل إذا قضى بذلك، وعلى أنه إنما تعتبر قيمة العبد في وقت ما يعطي قيمته دراهم، والإبل لا تعتبر قيمتها إذا أراد القضاء بالدراهم سواء نقصت قيمتها أو زادت.
مطلب: في دية المقتول في الحرم والشهر الحرام واختلف السلف وفقهاء الأمصار في المقتول في الحرم وفي الشهر الحرام، فقال أبو حنيفة ومحمد وزفر وابن أبي ليلى ومالك: " القتل في الحرم والشهر الحرام كهو في غيره فيما يجب من الدية والقود ". وسئل الأوزاعي عن القتل في الشهر الحرام والحرم هل تغلظ الدية فيه؟ قال: " بلغنا أنه إذا قتل في الحرم أو الشهر الحرام زيد على العقل ثلثه ويزاد في شبه العمد في أسنان الإبل ". وذكر المزني عن الشافعي في مختصره، وذكر تغليظ الدية في شبه العمد وقال: " الدية في هذا على العاقلة، وكذلك الجراح، وكذلك التغليظ في النفس والجراح في الشهر الحرام والبلد الحرام وذوي الرحم ". وروي عن عثمان أنه قضى في دية امرأة قتلت بمكة بدية وثلث. وروى إبراهيم عن الأسود أن رجلا أصيب عند البيت، فسأل عمر عليا، فقال له على: " ديته من بيت المال " فلم ير فيه على أكثر من الدية، ولم يخالفه عمر. وقال الله تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) وهو عام في الحل والحرم، ولما كانت الكفارة في الحرم كهي في الحل لا فرق بينهما وإن كان ذلك كله حقا لله تعالى، وجب أن تكون الدية كذلك، إذ الدية حق لآدمي ولا تعلق لها بالحرم ولا بالشهر الحرام، لأن حرمة الحرم والشهر الحرام إنما هي حق لله تعالى، فلو كان لحرمة الحرم والأشهر تأثير في إلزام الغرم لكان تأثيره في الكفارة التي هي حق الله تعالى أولى. ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإبل "، ولم يفرق بين الحل والحرم.
وقد اختلف التابعون في ذلك، فروي عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله وسليمان بن يسار: " الدية في الحرم كهي في غيره، وكذلك الشهر الحرام ". وروي عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله:
" أن من قتل في الحرم زيد على ديته مثل ثلثها "، والله أعلم.
باب الدية من غير الإبل قال أبو حنيفة: " الدية من الإبل والدراهم والدنانير، فمن الدراهم عشرة آلاف درهم ومن الدنانير ألف دينار ". وأبو حنيفة لا يرى الدية إلا من الإبل والورق والذهب.
(٢٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 ... » »»