أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٢٩٠
قال: حدثنا يونس بن بكير قال: حدثنا قيس بن الربيع عن أبي حصين عن إبراهيم ابن بنت النعمان بن بشير عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل شئ سوى الحديدة خطأ ولكل خطأ أرش ". وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا محمد بن يحيى بن سهل بن محمد العسكري قال: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يوسف بن يعقوب الضبعي قال: حدثنا سفيان الثوري وشعبة عن جابر الجعفي عن أبي عازب عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل شئ خطأ إلا السيف وفي كل خطأ أرش ". وأيضا لما اتفقوا على أنه لو جرحه بسكين صغيرة لم يختلف حكمها وحكم الكبيرة في وجوب القصاص، فوجب أن لا يختلف حكم الصغير والكبير من الحجر والخشب في سقوطه، وهذا يدل على أن الحكم في إيجاب القصاص متعلق بالآلة، وهي أن تكون سلاحا أو يعمل عمل السلاح.
فإن قيل: على ما روينا من قوله صلى الله عليه وسلم: " قتيل خطأ العمد " أن العمد لا يكون خطأ ولا الخطأ عمدا، وهذا يدل على فساد الحديث. قيل: ليس كذلك، لأنه سماه خطأ العمد لأنه خطأ في الحكم عمد في الفعل، وذلك معنى صحيح لأنه دل به على التغليظ من حيث هو عمد وعلى سقوط القود من حيث هو في حكم الخطأ.
فإن قيل: قوله تعالى: (كتب عليكم القصاص في القتلى) [البقرة: 178] وقوله:
(النفس بالنفس) [المائدة: 45] وسائر الآي التي فيها إيجاب القصاص يوجبه على القاتل بالحجر العظيم. قيل له: لا خلاف أن هذه الآي إنما أوجبت القصاص في العمد، وهذا ليس بعمد، ومع ذلك فإن الآي وردت في إيجاب القصاص في الأصل والآثار التي ذكرنا واردة فيما يجب فيه القصاص، فكل واحد منهما مستعمل فيما ورد فيه لا يعترض بأحدهما على الآخر. وأيضا قال الله تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) وسمى النبي صلى الله عليه وسلم شبه العمد قتيل خطأ العمد، فلما أطلق عليه اسم الخطأ وجب أن تكون فيه الدية.
فإن احتجوا بحديث ابن عباس في قصة المرأتين قتلت إحداهما الأخرى بمسطح فأوجب النبي صلى الله عليه وسلم عليها القصاص. قيل له: قد بينا اضطراب الحديث وما عارضه من رواية حمل بن مالك في إيجاب الدية دون القود، ولو ثبت القود أيضا فإن ذلك إنما كان في شئ بعينه ليس بعموم في جميع من قتل بمسطح، وجائز أن يكون كان فيه حديد وأصابها الحديد دون الخشب، فمن أجله أوجب النبي صلى الله عليه وسلم فيه القود.
فإن احتجوا بما روي أن يهوديا رضخ رأس جارية بالحجارة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يرضح رأسه. قيل له: جائز أن يكون كان لها مروة، وهي التي لها حد يعمل عمل
(٢٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 ... » »»