أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١١٣
وهذا يدل على أنه رأى الجد الذي انتسبوا إليه كلالة، وأخبر مع ذلك أن سيادته ليست من طريق النسب والكلالة لكنه بنفسه ساد ورأس. وقال بعضهم: كلت الرحم بين فلان وفلان إذا تباعدت، وحمل فلان على فلان ثم كل عنه إذا تباعد، والكلال هو الإعياء لأنه قد يبعد عليه تناول ما يريده، وأنشد الفرزدق:
ورثتم قناة الملك غير كلالة * عن ابني مناف عبد شمس وهاشم يعني: ورثتموها بالآباء لا بالأخوة والعمومة.
وذكر الله تعالى الكلالة في موضعين من كتابه: أحدهما قوله تعالى: (قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) [النساء:
176] إلى آخر الآية، فذكر ميراث الإخوة والأخوات عند عدم الولد وسماهم كلالة، وعدم الوالد مشروط فيها وإن لم يكن مذكورا لقوله تعالى في أول السورة: (وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس) فلم يجعل للإخوة ميراثا مع الأب، فخرج الوالد من الكلالة كما خرج الولد، لأنه لم يورثهم مع الأب كما لم يورثهم مع الابن، والبنت أيضا ليست بكلالة فإن ترك ابنة أو ابنتين وإخوة وأخوات لأب وأم أو لأب فالبنات لسن بكلالة، ومن ورث معهما كلالة. وقال تعالى في أول السورة: (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ وأخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث)، فهذه الكلالة هي الأخ والأخت لأم لا يرثان مع والد ولا ولد ذكرا كان أو أنثى. وقد روي أن في قراءة سعد بن أبي وقاص: " وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت لأم " فلا خلاف مع ذلك أن المراد بالأخ والأخت ههنا إذا كانا لأم دونهما إذا كانا لأب وأم أو لأب. وقد روي عن طاوس عن ابن عباس: " أن الكلالة ما عدا الولد، وورث الإخوة من الأم مع الأبوين السدس، وهو السدس الذي حجبت الأم عنه "، وهو قول شاذ، وقد بينا ما روى عنه أنها ما عدا الوالد والولد، ولا خلاف أن الإخوة والأخوات من الأم يشتركون في الثلث ولا يفضل منهم ذكر على أنثى.
وقد اختلفوا في الجد هل يورث كلالة، فقال قائلون: " لم يورث كلالة ". وقال آخرون: " بل هو كلالة "، وهو قول من يورث الإخوة والأخوات مع الجد، والأولى أن يكون خارجا من الكلالة لثلاثة أوجه، أحدها: أنهم لا يختلفون أن ابن الابن خارج عن الكلالة لأنه منسوب إلى الميت بالولاد، فواجب على هذا خروج الجد منها، إذا كانت النسبة بينهما من طريق الولاد. ومن جهة أخرى: أن الجد هو أصل النسب كالأب وليس بخارج عنه، فوجب أن يكون خارجا عن الكلالة، إذا كانت الكلالة ما تكلل على النسب وتعطف عليه ممن ليس أصل النسب متعلقا به. والثالث: أنهم لا يختلفون أن قوله
(١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 ... » »»