الشر، هذا سبب تام في نفسه، وإما ذو قوة وسلطان بالغة قدرته نافذ حكمه يجيره إذا استجاره فيدفع عنه الشر بسلطته كملك من الملوك، وهذا أيضا سبب تام مستقل في نفسه.
وهناك سبب ثالث وهو الاله المعبود فإن لازم معبودية الاله وخاصة إذا كان واحدا لا شريك له إخلاص العبد نفسه له فلا يدعو إلا إياه ولا يرجع في شئ من حوائجه إلا إليه فلا يريد إلا ما أراده ولا يعمل إلا ما يشاؤه.
والله سبحانه رب الناس وملك الناس وإله الناس كما جمع الصفاة الثلاث لنفسه في قوله: " ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون " الزمر: 6 وأشار تعالى إلى سببية ربوبيته وألوهيته بقوله: " رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا " المزمل: 9، وإلى سببية ملكه بقوله: " له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور " الحديد: 5 فإن عاذ الانسان من شر يهدده إلى رب فالله سبحانه هو الرب لا رب سواه وإن أراد بعوذه ملكا فالله سبحانه هو الملك الحق له الملك وله الحكم (1) وإن أراد لذلك إلها فهو الاله لا إله غيره.
فقوله تعالى: " قل أعوذ برب الناس " الخ أمر لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يعوذ به لأنه من الناس وهو تعالى رب الناس ملك الناس إله الناس.
ومما تقدم ظهر أولا وجه تخصيص الصفات الثلاث: الرب والملك والاله من بين سائر صفاته الكريمة بالذكر وكذا وجه ما بينها من الترتيب فذكر الرب أولا لأنه أقرب من الانسان وأخص ولاية ثم الملك لأنه أبعد منالا وأعم ولاية يقصده من لا ولي له يخصه ويكفيه ثم الاله لأنه ولي يقصده الانسان عن إخلاصه لا عن طبعه المادي.
وثانيا وجه عدم وصل قوله: " ملك الناس إله الناس " بالعطف وذلك للإشارة إلى كون كل من الصفات سببا مستقلا في دفع الشر فهو تعالى سبب مستقل لكونه ربا لكونه ملكا لكونه إلها فله السببية بأي معنى أريد السبب وقد مر نظير الوجه في قوله " الله أحد الله الصمد ".
وبذلك يظهر أيضا وجه تكرار لفظ الناس من غير أن يقال: ربهم وإلههم فقد أشير به إلى أن كلا من الصفات الثلاث يمكن أن يتعلق بها العوذ وحدها من غير ذكر الأخريين لاستقلالها ولله الأسماء الحسنى جميعا، وللقوم في توجيه اختصاص هذه الصفات