من طريق الوحي فعلى الانسان أن يشكره على ذلك لكنه يكفر بنعمته تعالى ويطغى.
وقوله: " إن الانسان ليطغى " أن يتعدى طوره، وهو إخبار بما في طبع الانسان ذلك كقوله: " إن الانسان لظلوم كفار " إبراهيم: 34.
وقوله: " أن رآه استغنى " من الرأي دون الرؤية البصرية، وفاعل " رآه " ومفعوله الانسان. وجملة " أن رآه استغنى " في مقام التعليل أي ليطغى لأنه يعتقد نفسه مستغنيا عن ربه المنعم عليه فيكفر به، وذلك أنه يشتغل بنفسه والأسباب الظاهرية التي يتوصل بها إلى مقاصده فيغفل عن ربه من غير أن يرى حاجة منه إليه تبعثه إلى ذكره وشكره على نعمه فينساه ويطغى.
قوله تعالى: " إن إلى ربك الرجعي " الرجعي هو الرجوع والظاهر من سياق الوعيد الآتي أنه وعيد وتهديد بالموت والبعث، والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل: الخطاب للانسان بطريق الالتفات للتشديد، والأول أظهر.
قوله تعالى: " أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم بأن الله يرى " بمنزلة ذكر بعض المصاديق للانسان الطاغي وهو كالتوطئة لوعيده بتصريح العقاب والنهي عن طاعته والامر بعبادته تعالى، والمراد بالعبد الذي كان يصلي هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ما يستفاد من آخر الآيات حيث ينهاه صلى الله عليه وآله وسلم عن طاعة ذلك الناهي ويأمره بالسجود والاقتراب.
وسياق الآيات - على تقدير كون السورة أول ما نزل من القرآن ونزولها دفعة واحدة - يدل على صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل نزول القرآن وفيه دلالة على نبوته قبل رسالته بالقرآن.
وأما ما ذكره بعضهم أنه لم يكن الصلاة مفروضة في أول البعثة وإنما شرعت ليلة المعراج على ما في الاخبار وهو قوله تعالى: " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر " أسرى: 78.
ففيه أن المسلم من دلالتها أن الصلوات الخمس اليومية إنما فرضت بهيئتها الخاصة ركعتين ركعتين ليلة المعراج ولا دلالة فيها على عدم تشريعها قبل وقد ورد في كثير من السور المكية ومنها النازلة قبل سورة الإسراء كالمدثر والمزمل وغيرهما ذكر الصلاة بتعبيرات مختلفة وإن لم يظهر فيها من كيفيتها إلا أنها كانت مشتملة على تلاوة شئ من القرآن والسجود.