تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٣٢١
وقوله: " أليس الله بأحكم الحاكمين " الاستفهام للتقرير وكونه تعالى أحكم الحاكمين هو كونه فوق كل حاكم في إتقان الحكم وحقيته ونفوذه من غير اضطراب ووهن وبطلان فهو تعالى يحكم في خلقه وتدبيره بما من الواجب في الحكمة أن يحكم به الناس من حيث الاتقان والحسن والنفوذ وإذا كان الله تعالى أحكم الحاكمين والناس طائفتان مختلفتان اعتقادا وعملا فمن الواجب في الحكمة أن يميز بينهم بالجزاء في حياتهم الباقية وهو البعث.
فالتفريع في قوله: " فما يكذبك بعد بالدين " من قبيل تفريع النتيجة على الحجة وقوله: " أليس الله بأحكم الحاكمين " تتميم للحجة المشار إليها بما يتوقف عليه تمامها.
والمحصل أنه إذا كان الناس خلقوا في أحسن تقويم ثم اختلفوا فطائفة خرجت عن تقويمها الأحسن وردت إلى أسفل سافلين وطائفة بقيت في تقويمها الأحسن وعلى فطرتها الأولى والله المدبر لأمرهم أحكم الحاكمين، ومن الواجب في الحكمة أن تختلف الطائفتان جزاء، فهناك يوم تجزى فيه كل طائفة بما عملت ولا مسوغ للتكذيب به.
فالآيات - كما ترى - في معنى قوله تعالى: " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار " ص: 28، وقوله: " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون " الجاثية: 21.
وبعض من جعل الخطاب في قوله: " فما يكذبك " للنبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل " ما " بمعنى من والحكم بمعنى القضاء، وعليه فالمعنى إذا كان الناس مختلفين ولازم ذلك اختلاف جزائهم في يوم معد للجزاء فمن الذي ينسبك إلى الكذب بالجزاء أليس الله بأقضى القاضين فهو يقضي بينك وبين المكذبين لك بالدين.
وأنت خبير بأن فيه تكلفا من غير موجب.
(بحث روائي) في تفسير القمي في قوله تعالى: " والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين " التين المدينة والزيتون بيت المقدس وطور سينين الكوفة وهذا البلد الأمين مكة.
أقول: وقد ورد هذا المعنى في بعض الروايات عن موسى بن جعفر عن آبائه عليه
(٣٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 ... » »»
الفهرست