والمراد به ما يستحيل إليه النطفة في الرحم.
ففي الآية إشارة إلى التدبير الإلهي الوارد على الانسان من حين كان علقة إلى حين يصير إنسانا تاما كاملا له من أعاجيب الصفات والافعال ما تتحير فيه العقول فلم يتم الانسان إنسانا ولم يكمل إلا بتدبير متعاقب منه تعالى وهو بعينه خلق بعد خلق فهو تعالى رب مدبر لأمر الانسان بعين أنه خالق له فليس للانسان إلا أن يتخذه وحده ربا ففي الكلام احتجاج على توحيد الربوبية.
قوله تعالى: " اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم " أمر بالقراءة ثانيا تأكيدا للامر الأول على ما هو ظاهر سياق الاطلاق.
وقيل: المراد به الامر بالقراءة على الناس وهو التبليغ بخلاف الامر الأول فالمراد به الامر بالقراءة لنفسه، كما قيل: إن المراد بالامرين جميعا الامر بالقراءة على الناس، والوجهان غير ظاهرين.
وقوله: " وربك الأكرم " أي الذي يفوق عطاؤه عطاء ما سواه فهو تعالى يعطي لا عن استحقاق وما من نعمة إلا وينتهي إيتاؤها إليه تعالى.
وقوله: " الذي علم بالقلم " الباء للسببية أي علم القراءة أو الكتابة والقراءة بواسطة القلم والجملة حالية أو استئنافية، والكلام مسوق لتقوية نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإزالة القلق والاضطراب عنها حيث أمر بالقراءة وهو أمي لا يكتب ولا يقرء كأنه قيل: اقرأ كتاب ربك الذي يوحيه إليك ولا تخف والحال أن ربك الأكرم الذي علم الانسان القراءة بواسطة القلم الذي يخط به فهو قادر على أن يعلمك قراءة كتابه وأنت أمي وقد أمرك بالقراءة ولو لم يقدرك عليها لم يأمرك بها.
ثم عمم سبحانه النعمة فذكر تعليمه للانسان ما لم يعلم فقال: " علم الانسان ما لم يعلم " وفيه مزيد تقوية لقلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتطييب لنفسه.
والمراد بالانسان الجنس كما هو ظاهر السياق وقيل: المراد به آدم عليه السلام، وقيل:
إدريس عليه السلام لأنه أول من خط بالقلم، وقيل: كل نبي كان يكتب وهي وجوه ضعيفة بعيدة عن الفهم.
قوله تعالى: " كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى " ردع عما يستفاد من الآيات السابقة أنه تعالى أنعم على الانسان بعظائم نعم مثل التعليم بالقلم وسائر ما علم والتعليم