وفي إضافة البطش إلى الرب وإضافة الرب إلى الكاف تطييب لنفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتأييد والنصر، وإشارة إلى أن لجبابرة أمته نصيبا من الوعيد المتقدم.
قوله تعالى: " انه هو يبدئ ويعيد " المقابلة بين المبدئ والمعيد يعطي أن المراد بالابداء البدء، والافتتاح بالشئ، قالوا: ولم يسمع من العرب الابداء لكن القراءة ذلك وفي بعض القراءات الشاذة يبدء بفتح الياء والدال.
وعلى أي حال فالآية تعليل لشدة بطشه تعالى وذلك أنه تعالى مبدئ يوجد ما يريده من شئ ايجادا ابتدائيا من غير أن يستمد على ذلك من شئ غير نفسه، وهو تعالى يعيد كل ما كان إلى ما كان وكل حال فاتته إلى ما كانت عليه قبل الفوت فهو تعالى لا يمتنع عليه ما أراد ولا يفوته فائت زائل وإذ كان كذلك فهو القادر على أن يحمل على العبد المتعدي حده، من العذاب ما هو فوق حده ووراء طاقته ويحفظه على ما هو عليه ليذوق العذاب قال تعالى: " والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها " فاطر: 36.
وهو القادر على أن يعيد ما أفسده العذاب إلى حالته الأولى ليذوق المجرم بذلك العذاب من غير انقطاع قال تعالى: " ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب " النساء: 56.
وبهذا البيان يتضح:
أولا: أن سياق قوله: " انه هو " الخ يفيد القصر أي ان ابداع الوجود واعادته لله سبحانه وحده إذ الصنع والايجاد ينتهي إليه تعالى وحده.
وثانيا: أن حدود الأشياء إليه تعالى ولو شاء أن لا يحد لم يحد أو بدل حدا من آخر فهو الذي حد العذاب والفتنة في الدنيا بالموت والزوال ولو لم يشأ لم يحد كما في عذاب الآخرة.
وثالثا: أن المراد من شدة البطش - وهو الاخذ بعنف - أن لا دافع لاخذه ولا راد لحكمه كيفما حكم الا أن يحول بين حكمه ومتعلقه حكم آخر منه يقيد الأول.
قوله تعالى: " وهو الغفور الودود " أي كثير المغفرة والمودة ناظر إلى وعد المؤمنين كما أن قوله: " إن بطش ربك " الخ ناظر إلى وعيد الكافرين.
قوله تعالى: " ذو العرش المجيد فعال لما يريد " العرش عرش الملك، وذو العرش كناية عن الملك أي هو ملك له أن يتصرف في مملكته كيفما تصرف ويحكم بما شاء والمجيد