تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٢٥٢
ثم إن الله - وهو الموجد لكل شئ - على كل شئ شهيد لا يخفى عليه شئ من خلقه ولا عمل من أعمال خلقه ولا يحتجب عنه إحسان محسن ولا إساءة مسئ فسيجزي كلا بما عمل.
وبالجملة إذ كان تعالى هو الله المتصف بهذه الصفات الكريمة كان على هؤلاء المؤمنين أن يؤمنوا به ولم يكن لأولئك الجبابرة أن يتعرضوا لحالهم ولا أن يمسوهم بسوء.
وقال بعض المفسرين في توجيه إجراء الصفات في الآية: ان القوم أن كانوا مشركين فالذي كانوا ينقمونه من المؤمنين وينكرونه عليهم لم يكن هو الايمان بالله تعالى بل نفي ما سواه من معبوداتهم الباطلة، وإن كانوا معطلة فالمنكر عندهم ليس الا اثبات معبود غير معهود لهم لكن لما كان مآل الامرين انكار المعبود الحق الموصوف بصفات الجلال والاكرام عبر بما عبر باجراء الصفات عليه تعالى.
وفيه غفلة عن أن المشركين وهم الوثنية ما كانوا ينسبون إلى الله تعالى الا الصنع والايجاد.
وأما الربوبية التي تستتبع التدبير والألوهية التي تستوجب العبادة فكانوا يقصرونها في أربابهم وآلهتهم فيعبدونها دون الله سبحانه، فليس له تعالى عندهم الا أنه رب الأرباب واله الآلهة لا غير.
قوله تعالى: " ان الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق " الفتنة المحنة والتعذيب، والذين فتنوا " الخ " عام يشمل أصحاب الأخدود ومشركي قريش الذين كانوا يفتنون من آمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من المؤمنين والمؤمنات بأنواع من العذاب ليرجعوا عن دينهم.
قال في المجمع: يسأل فيقال: كيف فصل بين عذاب جهنم وعذاب الحريق وهما واحد؟ أجيب عن ذلك بأن المراد لهم أنواع العذاب في جهنم سوى الاحراق مثل الزقوم والغسلين والمقامع ولهم مع ذلك الاحراق بالنار انتهى.
قوله تعالى: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير " وعد جميل للمؤمنين يطيب به نفوسهم كما أن ما قبله وعيد شديد للكفار الفاتنين المعذبين.
قوله تعالى: " إن بطش ربك لشديد " الآية إلى تمام سبع آيات تحقيق وتأكيد لما تقدم من الوعيد والوعد، والبطش - كما ذكره الراغب - تناول الشئ بصولة.
(٢٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»
الفهرست