تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٢٥١
قوله تعالى: " قتل أصحاب الأخدود " إشارة إلى قصة الأخدود لتكون توطئة وتمهيدا لما سيجئ من قوله: " إن الذين فتنوا " الخ وليس جوابا للقسم البتة.
والأخدود الشق العظيم في الأرض، وأصحاب الأخدود هم الجبابرة الذين خدوا أخدودا وأضرموا فيها النار وأمروا المؤمنين بدخولها فأحرقوهم عن آخرهم نقما منهم لايمانهم فقوله: " قتل " الخ دعاء عليهم والمراد بالقتل اللعن والطرد.
وقيل: المراد بأصحاب الأخدود المؤمنون والمؤمنات الذين أحرقوا فيه، وقوله:
" قتل " إخبار عن قتلهم بالاحراق وليس من الدعاء في شئ. ويضعفه ظهور رجوع الضمائر في قوله: " إذ هم عليها " و " هم على ما يفعلون " و " ما نقموا " إلى أصحاب الأخدود، والمراد بها وخاصة بالثاني والثالث الجبابرة الناقمون دون المؤمنين المعذبين.
قوله تعالى: " النار ذات الوقود " بدل من الأخدود، والوقود ما يشعل به النار من حطب وغيره، وفي توصيف النار بذات الوقود إشارة إلى عظمة أمر هذه النار وشدة اشتعالها وأجيجها.
قوله تعالى: " إذ هم عليها قعود " أي في حال أولئك الجبابرة قاعدون في أطراف النار المشرفة عليها.
قوله تعالى: " وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود " أي حضور ينظرون ويشاهدون إحراقهم واحتراقهم.
قوله تعالى: " وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله " النقم بفتحتين الكراهة الشديدة أي ما كرهوا من أولئك المؤمنين إلا إيمانهم بالله فأحرقوهم لأجل إيمانهم.
قوله تعالى: " العزيز الحميد الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شئ شهيد " أوصاف جارية على اسم الجلالة تشير إلى الحجة على أن أولئك المؤمنين كانوا على الحق في ايمانهم مظلومين فيما فعل بهم لا يخفى حالهم على الله وسيجزيهم خير الجزاء، وعلى أن أولئك الجبابرة كانوا على الباطل مجترين على الله ظالمين فيما فعلوا وسيذوقون وبال أمرهم وذلك أنه تعالى هو الله العزيز الحميد أي الغالب غير المغلوب على الاطلاق والجميل في فعله على الاطلاق فله وحده كل الجلال والجمال فمن الواجب أن يخضع له وأن لا يتعرض لجانبه، وإذ كان له ملك السماوات والأرض فهو المليك على الاطلاق له الامر وله الحكم فهو رب العالمين فمن الواجب أن يتخذ إلها معبودا ولا يشرك به أحد فالمؤمنون به على الحق والكافرون في ضلال.
(٢٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 ... » »»
الفهرست