والجزاء، ولا سبب يوجبه عليهم إلا التوغل في الذنوب والآثام الصارفة عن الآخرة الداعية إلى استبعاد البعث.
قوله تعالى: " بلى أن ربه كان به بصيرا " رد لظنه أي ليس الامر كما ظنه بل يحور ويرجع، وقوله: " إن ربه كان به بصيرا " تعليل للرد المذكور فإن الله سبحانه كان ربه المالك له المدبر لامره وكان يحيط به علما ويرى ما كان من أعماله وقد كلفه بما كلف ولأعماله جزاء خيرا أو شرا فلا بد أن يرجع إليه ويجزي بما يستحقه بعمله.
وبذلك يظهر أن قوله: " إن ربه كان به بصيرا " من إعطاء الحجة على وجوب المعاد نظير ما تقدم في قوله: " إنك كادح إلى ربك " الآية.
ويظهر أيضا من مجموع هذه الآيات التسع إن إيتاء الكتب ونشر الصحف قبل الحساب كما يدل عليه أيضا قوله تعالى: " وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا " أسرى: 14.
ثم الآيات كما ترى تخص إيتاء الكتاب من وراء الظهر بالكفار فيقع الكلام في عصاة المؤمنين من أصحاب الكبائر ممن يدخل النار فيمكث فيها برهة ثم يخرج منها بالشفاعة على ما في الاخبار من طرق الفريقين فهؤلاء لا يؤتون كتابهم من وراء ظهورهم لاختصاص ذلك بالكفار ولا بيمينهم لظهور الآيات في أن أصحاب اليمين يحاسبون حسابا يسيرا ويدخلون الجنة، ولا سبيل إلى القول بأنهم لا يؤتون كتابا لمكان قوله تعالى: " وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه " الآية المفيد للعموم.
وقد تخلص بعضهم عن الاشكال بأنهم يؤتون كتابهم باليمين بعد الخروج من النار.
وفيه أن ظاهر الآيات إن لم يكن صريحها أن دخول النار أو الجنة فرع مترتب على القضاء المترتب على الحساب المترتب على إيتاء الكتب ونشر الصحف فلا معنى لايتاء الكتاب بعد الخروج من النار.
واحتمل بعضهم أن يؤتوا كتابهم بشمالهم ويكون الايتاء من وراء الظهر مخصوصا بالكفار كما تفيده الآيات.
وفيه أن الآيات التي تذكر إيتاء الكتاب بالشمال - وهي التي في سورة الواقعة والحاقة وفي معناها ما في سورة الإسراء أيضا - تخص إيتاء الكتاب بالشمال بالكفار ويظهر من مجموع الآيات أن الذين يؤتون كتابهم بشمالهم هم الذين يؤتونه من وراء ظهورهم.