تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ١٩٣
ساقته الجهالة إلى المعصية من غير استكبار والله واسع المغفرة قال تعالى " ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة " النجم: 32، وقال: " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما " النساء: 31.
ويتحصل معنى الآيات الثلاث في إعطاء الضابط في صفة أهل الجحيم وأهل الجنة في أن أهل الجحيم أهل الكفر والفسوق وأهل الجنة أهل الايمان والتقوى، وهناك غير الطائفتين طوائف اخر من المستضعفين والذين اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا وغيرهم أمرهم إلى الله سبحانه عسى أن يشملهم المغفرة بشفاعة وغيرها.
فقوله: " فأما من طغى - إلى قوله - هي المأوى " أي هي مأواه على أن تكون اللام عوضا عن الضمير أو الضمير محذوف والتقدير هي المأوى له.
وقوله: " وأما من خاف مقام ربه " إلخ المقام اسم مكان يراد به المكان الذي يقوم فيه جسم من الأجسام وهو الأصل في معناه ككونه اسم زمان ومصدرا ميميا لكن ربما يعتبر ما عليه الشئ من الصفات والأحوال محلا ومستقرا للشئ بنوع من العناية فيطلق عليه المقام كالمنزلة كما في قوله تعالى في الشهادة: " فآخران يقومان مقامهما " المائدة: 107 وقول نوح عليه السلام لقومه على ما حكاه الله: " إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله " يونس: 71، وقول الملائكة على ما حكاه الله: " وما منا إلا له مقام معلوم " الصافات: 164.
فمقامه تعالى المنسوب إليه بما أنه رب هو صفة ربوبيته بما تستلزمه أو تتوقف عليه من صفاته الكريمة كالعلم والقدرة المطلقة والقهر والغلبة والرحمة والغضب وما يناسبها قال إيذانا به: " ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى " طه: 82، وقال: " نبئ عبادي أنى أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم " الحجر: 50.
فمقامه تعالى الذي يخوف منه عباده مرحلة ربوبيته التي هي المبدء لرحمته ومغفرته لمن آمن واتقى ولأليم عذابه وشديد عقابه لمن كذب وعصى.
وقيل: المراد بمقام ربه مقامه من ربه يوم القيامة حين يسأله عن أعماله وهو كما ترى.
وقيل: معنى خاف مقام ربه خاف ربه بطريق الاقحام كما قيل في قوله: " أكرمي مثواه ".
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»
الفهرست