تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٢٠٤
وكذا قوله: " لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين " الحجر: 88 وفي سياق الآية قوله: " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين " الحجر: 94 النازل في أول الدعوة العلنية فكيف يتصور منه صلى الله عليه وآله وسلم العبوس والاعراض عن المؤمنين وقد أمر باحترام إيمانهم وخفض الجناح وأن لا يمد عينيه إلى دنيا أهل الدنيا.
على أن قبح ترجيح غنى الغني - وليس ملاكا لشئ من الفضل على كمال الفقير وصلاحه بالعبوس والاعراض عن الفقير والاقبال على الغني لغناه قبح عقلي مناف لكريم الخلق الانساني لا يحتاج في لزوم التجنب عنه إلى نهي لفظي.
وبهذا وما تقدمه يظهر الجواب عما قيل: إن الله سبحانه لم ينهه صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا الفعل إلا في هذا الوقت فلا يكون معصية منه إلا بعده وأما قبل النهي فلا.
وذلك أن دعوى أنه تعالى لم ينهه إلا في هذا الوقت تحكم ممنوع، ولو سلم فالعقل حاكم بقبحه ومعه ينافي صدوره كريم الخلق وقد عظم الله خلقه صلى الله عليه وآله وسلم قبل ذلك إذ قال:
" وإنك لعلى خلق عظيم " وأطلق القول، والخلق ملكة لا تتخلف عن الفعل المناسب لها.
وعن الصادق عليه السلام - على ما في المجمع - أنها نزلت في رجل من بني أمية كان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجاء ابن أم مكتوم فلما رآه تقذر منه وجمع نفسه وعبس وأعرض بوجهه عنه فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره عليه.
وفي المجمع وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رآى عبد الله بن أم مكتوم قال: مرحبا مرحبا والله لا يعاتبني الله فيك أبدا، وكان يصنع به من اللطف حتى كان يكف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما يفعل به.
أقول: الكلام فيه كالكلام فيما تقدمه، ومعنى قوله: حتى أنه كان يكف " الخ " أنه كان يكف عن الحضور عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكثرة صنيعه صلى الله عليه وآله وسلم به انفعالا منه وخجلا.
قتل الانسان ما أكفره - 17. من أي شئ خلقه - 18. من نطفة خلقه فقدره - 19. ثم السبيل يسره - 20. ثم أماته فأقبره - 21. ثم إذا
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»
الفهرست