فمنهم من كان يرى استحالته فينكره كما هو ظاهر قولهم على ما حكاه الله: " هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لقي خلق جديد " سبأ: 7، ومنهم من كان يستبعده فينكره وهو قوله: " أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون " المؤمنون: 36، ومنهم من كان يشك فيه فينكره قال تعالى:
" بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها " النمل 66، ومنهم من كان يوقن به لكنه لا يؤمن عنادا فينكره كما كان لا يؤمن بالتوحيد والنبوة وسائر فروع الدين بعد تمام الحجة عنادا قال تعالى: " بل لجوا في عتو ونفور " الملك: 21.
والمحصل من سياق الآيات الثلاث وما يتلوها أنهم لما سمعوا ما ينذرهم به القرآن من أمر البعث والجزاء يوم الفصل ثقل عليهم ذلك فغدوا يسأل بعضهم بعضا عن شأن هذا النبأ العجيب الذي لم يكن مما قرع أسماعهم حتى اليوم، وربما راجعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين وسألوهم عن صفة اليوم وأنه متى هذا الوعد إن كنتم صادقين وربما كانوا يراجعون في بعض ما قرع سمعهم من حقائق القرآن واحتوته دعوته الجديدة أهل الكتاب وخاصة اليهود ويستمدونهم في فهمه.
وقد أشار تعالى في هذه السورة إلى قصة تساؤلهم في صورة السؤل والجواب فقال: " عم يتساءلون " وهو سؤال عما يتساءلون عنه. ثم قال: " عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون " وهو جواب السؤال عما يتساءلون عنه. ثم قال: كلا سيعلمون " الخ، وهو جواب عن تساؤلهم.
وللمفسرين في مفردات الآيات الثلاث وتقرير معانيها وجوه كثيرة تركناها لعدم ملاءمتها السياق والذي أوردناه هو الذي يعطيه السياق.
قوله تعالى: " كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون " ردع عن تساؤلهم عنه بانين ذلك على الاختلاف في النفي أي ليرتدعوا عن التساؤل لأنه سينكشف لهم الامر بوقوع هذا النبأ فيعلمونه، وفي هذا التعبير تهديد كما في قوله: " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " الشعراء: 227.
وقوله: " ثم كلا سيعلمون " تأكيد للردع والتهديد السابقين ولحن التهديد هو القرينة على أن المتسائلين هم المشركون النافون للبعث ولجزاء دون المؤمنين ودون المشركين والمؤمنين جميعا.