تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ١٥٥
فلم نغادر منهم أحدا " الكهف: 67.
وقوله: " فإن كان لكم كيد فكيدون " أي ان كانت لكم حيلة تحتالون بي في دفع عذابي عن أنفسكم فاحتالوا، وهذا خطاب تعجيزي منبئ عن انسلاب القوة والقدرة عنهم يومئذ بالكلية بظهور أن لا قوة الا لله عز اسمه قال تعالى: " ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب إذ تبرء الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب " البقرة: 166.
والآية أعني قوله: " ان كان لكم كيد فكيدون " أوسع مدلولا من قوله: " يا معشر الجن والإنس ان استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان " الرحمن: 33 لاختصاصه بنفي القدرة على الفرار بخلاف الآية التي نحن فيها وفي قوله: " فكيدون " التفات من التكلم مع الغير إلى التكلم وحده والنكتة فيه أن متعلق هذا الامر التعجيزي إنما هو الكيد لمن له القوة والقدرة فحسب وهو الله وحده ولو قيل: فكيدونا فات الاشعار بالتوحد.
قوله تعالى: " إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون - إلى - قوله - المحسنين " الظلال والعيون ظلال الجنة وعيونها التي يتنعمون بالاستظلال بها وشربها، والفواكه جمع فاكهة وهي الثمرة.
وقوله: " كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون " مفاده الاذن والإباحة، وكأن الأكل والشرب كناية عن مطلق التنعم بنعم الجنة والتصرف فيها وإن لم يكن بالاكل والشرب وهو شائع كما يطلق أكل المال على مطلق التصرف فيه.
وقوله: " انا كذلك نجزي المحسنين " تسجيل لسعادتهم.
قوله تعالى: " كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون " الخطاب من قبيل قولهم: إفعل ما شئت فإنه لا ينفعك، وهذا النوع من الامر إياس للمخاطب أن ينتفع بما يأتي به من الفعل للحصول على ما يريده، ومنه قوله: " فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا " طه: 72، وقوله: " اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير " حم السجدة: 60.
فقوله: " كلوا وتمتعوا قليلا " أي تمتعا قليلا أو زمانا قليلا إياس لهم من أن ينتفعوا بمثل الاكل والتمتع في دفع العذاب عن أنفسهم فليأكلوا وليتمتعوا قليلا فليس يدفع عنهم شيئا.
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»
الفهرست