قوله تعالى: " ألم نجعل الأرض مهادا " الآية إلى تمام إحدى عشرة آية مسوق سوق الاحتجاج على ثبوت البعث والجزاء وتحقق هذا النبأ العظيم ولازم ثبوته صحة ما في قوله:
" سيعلمون " من الاخبار بأنهم سيشاهدونه فيعلمون.
تقرير الحجة: أن العالم المشهود بأرضه وسمائه وليله ونهاره والبشر المتناسلين والنظام الجاري فيها والتدبير المتقن الدقيق لأمورها من المحال أن يكون لعبا باطلا لا غاية لها ثابتة باقية فمن الضروري أن يستعقب هذا النظام المتحول المتغير الدائر إلى عالم ذي نظام ثابت باق، وأن يظهر فيه أثر الصلاح الذي تدعو إليه الفطرة الانسانية والفساد الذي ترتدع عنه، ولم يظهر في هذا العالم المشهود أعني سعادة المتقين وشقاء المفسدين، ومن المحال أن يودع الله الفطرة دعوة غريزية أو ردعا غريزيا بالنسبة إلى ما لا أثر له في الخارج ولا حظ له من الوقوع فهناك يوم يلقاه الانسان ويجزى فيه على عمله إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا.
فالآيات في معنى قوله تعالى " وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار " ص: 28.
وبهذا البيان يثبت أن هناك يوما يلقاه الانسان ويجزى فيه بما عمل إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا فليس للمشركين أن يختلفوا فيه فيشك فيه بعضهم ويستبعده طائفة، ويحيله قوم، ولا يؤمن به مع العلم به عنادا آخرون، فاليوم ضروري الوقوع والجزاء لا ريب فيه.
ويظهر من بعضهم أن الآيات مسوقة لاثبات القدرة وأن العود يماثل البدء والقادر على الابداء قادر على الإعادة، وهذه الحجة وإن كانت تامة وقد وقعت في كلامه تعالى لكنها حجة على الامكان دون الوقوع والسياق فيما نحن فيه سياق الوقوع دون الامكان فالأنسب في تقريرها ما تقدم.
وكيف كان فقوله: " ألم نجعل الأرض مهادا " الاستفهام للانكار، والمهاد الوطاء والقرار الذي يتصرف فيه، ويطلق على البساط الذي يجلس عليه والمعنى قد جعلنا الأرض قرارا لكم تستقرون عليها وتتصرفون فيها.