قوله تعالى: " والجبال أوتادا " الأوتاد جمع وتد وهو المسمار إلا أنه أغلظ منه كما في المجمع، ولعل عد الجبال أوتادا مبني على أن عمدة جبال الأرض من عمل البركانات بشق الأرض فتخرج منه مواد أرضية مذابة تنتصب على فم الشقة متراكمة كهيئة الوتد المنصوب على الأرض تسكن به فورة البركان الذي تحته فيرتفع به ما في الأرض من الاضطراب والميدان.
وعن بعضهم: أن المراد بجعل الجبال أوتادا انتظام معاش أهل الأرض بما أودع فيها من المنافع ولولاها لمادت الأرض بهم أي لما تهيأت لانتفاعهم. وفيه أنه صرف اللفظ عن ظاهره من غير ضرورة موجبة.
قوله تعالى: " وخلقناكم أزواجا " أي زوجا زوجا من ذكر وأنثى لتجري بينكم سنة التناسل فيدوم بقاء النوع إلى ما شاء الله.
وقيل: المراد به الاشكال أي كل منكم شكل للآخر. وقيل: المراد به الأصناف أي أصنافا مختلفة كالأبيض والأسود والأحمر والأصفر إلى غير ذلك، وقيل: المراد به خلق كل منهم من منيين مني الرجل ومني المرأة، وهذه وجوه ضعيفة.
قيل: الالتفات في الآية من الغيبة إلى الخطاب للمبالغة في الالزام والتبكيت.
قوله تعالى: " وجعلنا نومكم سباتا " السبات الراحة والدعة فإن في المنام سكوتا وراحة للقوى الحيوانية البدنية مما اعتراها في اليقظة من التعب والكلال بواسطة تصرفات النفس فيها.
وقيل: السبات بمعنى القطع وفي النوم قطع التصرفات النفسانية في البدن، وهو قريب من سابقه.
وقيل: المراد بالسبات الموت، وقد عد سبحانه النوم من الموت حيث قال: " وهو الذي يتوفاكم بالليل " الانعام: 60 وهو بعيد، وأما الآية فإنه تعالى عد النوم توفيا ولم يعده موتا بل القرآن يصرح بخلافه قال تعالى: " الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها " الزمر: 42.
قوله تعالى: " وجعلنا الليل لباسا " أي ساترا يستر الأشياء بما فيه من الظلمة الساترة للمبصرات كما يستر اللباس البدن وهذا سبب إلهي يدعو إلى ترك التقلب والحركة والميل إلى السكن والدعة والرجوع إلى الأهل والمنزل.