قوله تعالى: " ألم نخلقكم من ماء مهين - إلى قوله - فنعم القادرون " الاستفهام للانكار، والماء المهين الحقير قليل الغناء والمراد به النطفة، والمراد بالقرار المكين الرحم وبقوله: " قدر معلوم مدة الحمل.
وقوله: " فقدرنا " من القدر بمعنى التقدير، والفاء لتفريع القدر على الخلق أي خلقناكم فقدرنا ما سيجري عليكم من الحوادث وما يستقبلكم من الأوصاف والأحوال من طول العمر وقصره وهيئة وجمال وصحة ومرض ورزق إلى غير ذلك.
واحتمل أن يكون " قدرنا " من القدرة مقابل العجز والمراد فقدرنا على جميع ذلك، وما تقدم أوجه.
والمعنى: قد خلقناكم من ماء حقير هو النطفة فجعلنا ذلك الماء في قرار مكين هي الرحم إلى مدة معلومة هي مده الحمل فقدرنا جميع ما يتعلق بوجودكم من الحوادث والصفات والأحوال فنعم المقدرون نحن.
ويجري في كون مضمون هذه الآيات حجة على توحد الربوبية نظير البيان السابق في الآيات المتقدمة، وكذا في كونه حجة على تحقق يوم الفصل فإن الربوبية تستوجب خضوع المربوبين لساحتها وهو الدين المتضمن للتكليف، ولا يتم التكليف إلا بجعل جزاء على الطاعة والعصيان، واليوم الذي يجازى فيه بالاعمال هو يوم الفصل.
قوله تعالى: " ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا - إلى قوله - فراتا " الكفت والكفات بمعنى الضم والجمع أي ألم نجعل الأرض كفاتا يجمع العباد أحياء وأمواتا، وقيل: الكفات جمع كفت بمعنى الوعاء، والمعنى ألم نجعل الأرض أوعية تجمع الاحياء والأموات.
وقوله: " وجعلنا فيها رواسي شامخات " الرواسي الثابتات من الجبال، والشامخات العاليات، وكأن في ذكر الرواسي توطئة لقوله: " وأسقيناكم ماء فراتا " لان الأنهار والعيون الطبيعية تنفجر من الجبال فتجري على السهول، والفرات الماء العذب.
ويجري في حجية الآيات نظير البيان السابق في الآيات المتقدمة.
قوله تعالى: " انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون " حكاية لما يقال لهم يوم الفصل والقائل هو الله سبحانه بقرينة قوله في آخر الآيات: " إن كان لكم كيد فكيدون " والمراد بما كانوا