فقد بان أن الجملة مستأنفة، والمراد بتبديل القول تغيير القضاء المحتوم، و (لدي) متعلق بالتبديل، هذا ما يعطيه السياق، وقد ذكر بعضهم في هذه الجملة وإعراب مفرداتها ومعنى تبديل القول وجوها واحتمالات كثيرة بعيدة عن الفهم لا تزيد في الكلام إلا تعقيدا فأغمضنا عن إيرادها.
وقوله: (وما أنا بظلام للعبيد) متمم لمعنى الجملة السابقة أي لا يبدل قولي فأنتم معذبون لا محالة ولست أظلم عبيدي في عذابهم على طبق ما قدمت إليهم بالوعيد لأنهم مستحقون لذلك بعد إتمام الحجة.
ومن وجه آخر: لا ظلم في مجازاتهم بالعذاب فإنهم إنما يجزون بأعمالهم التي قدموها في أعمالهم ردت إليهم كما هو ظاهر قوله تعالى: (يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون) التحريم: 7.
وما في قوله: (وما أنا بظلام) من نفي الظلم الكثير لا يستوجب جواز الظلم اليسير فإنه تعالى لو ظلم في شئ من الجزاء كان ظلما كثيرا لكثرة أمثاله فإن الخطاب لكل إنسان مشرك ظالم مع قرينه، وهم كثيرون فهو سبحانه لو ظلم في شئ من الجزاء لكان ظلاما.
قوله تعالى: (يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد) خطاب منه تعالى لجهنم وجواب منها، وقد اختلف في حقيقة هذا التكليم والتكلم فقيل: الخطاب والجواب بلسان الحال ويرده أنه لو كان بلسان الحال لم يختص به تعالى بل كان لكل من يشاهدها على تلك الحال أن يسألها عن امتلائها فتجيبه بقولها: هل من مزيد؟ فليس لتخصيص الخطاب به تعالى نكتة ظاهرة.
وقيل: حقيقة الخطاب لخزنة جهنم والجواب منهم وإن كانا نسبا إلى جهنم وفيه أنه خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا بدليل.
وقيل: الخطاب والجواب على ظاهره، ولا دليل يدل على عدم الجواز، وقد أخبر الله سبحانه عن تكليم الأيدي والأرجل والجلود وغيرها، وهو الوجه وقد تقدم في تفسير سورة فصلت أن العلم والشعور سار في جميع الموجودات.