الانذار بعذاب الله في الدنيا للمكذبين عذاب الاستئصال، وفي الآخرة بالعذاب الخالد يوم القيامة وهو العمدة في نجاح الدعوة إذ لولا الحساب والجزاء يوم القيامة كان الايمان بالوحدانية والنبوة لغى لا أثر له.
والمشركون باتخاذهم آلهة دون الله سبحانه شديدو الانكار لأصول التوحيد والنبوة والمعاد، وكانوا يتعنتون بإنكار المعاد والاصرار على نفيه والاستهزاء به من أي طريق ممكن لما يرون أن في بطلانه بطلان الأصلين الآخرين.
والسورة تذكر المعاد وإنكارهم له فتبدء به وتختم عليه لكن لا من حيث نفسه كما جرى عليه الكلام في مواضع من كلامه بل من حيث إنه يوم الجزاء وأن الله الذي وعدهم به هو ربهم وهو الذي وعدهم به ووعده صدق لا ريب فيه.
ولذلك لما انساق الكلام إلى الاحتجاج عليه احتجت بأدلة التوحيد من آيات الأرض والسماء والأنفس و ما عاقب الله به الأمم الماضين إثر دعوتهم إلى التوحيد وتكذيبهم لرسله، وليس إلا ليثبت بها التوحيد فيثبت به يوم الجزاء الذي وعده الله والله لا يخلف الميعاد وأخبرت به الدعوة النبوية فيندفع بذلك إنكارهم للجزاء وقد توسلوا بذلك إلى إبطال دين التوحيد ورسالة الرسول لصيرورة الايمان به لغوا لا أثر له كما تقدمت الإشارة إليه.
والسورة مكية لشهادة سياق آياتها عليه ولم يختلف في ذلك أحد، ومن غرر آياتها قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
والفصل الذي أوردناه من الآيات مفتتح الكلام يذكر فيه أن الجزاء الذي وعدوه صدق وإنكارهم له وتعنتهم بذلك تخرص ثم يصف يوم الجزاء وحال المتقين والمنكرين فيه.
قوله تعالى: (والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا) الذاريات جمع الذارية من قولهم: ذرت الريح التراب تذروه ذروا إذا أطارته والوقر بالكسر فالسكون ثقل الحمل في الظهر أو في البطن.
وفي الآيات إقسام بعد إقسام يفيد التأكيد بعد التأكيد للمقسم عليه وهو الجزاء على الأعمال فقوله: (والذاريات ذروا) إقسام بالرياح المثيرة للتراب، وقوله: