تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٣٤٩
الانتقال من هذه الدار إلى دار بعدها - حق كما أن البعث حق والجنة حق والنار حق وفي معنى كون الموت بالحق أقوال أخر لا جدوى في نقلها والتعرض لها.
وفي قوله: (ذلك ما كنت منه تحيد) إشارة إلى أن الانسان يكره الموت بالطبع وذلك أن الله سبحانه زين الحياة الدنيا والتعلق بزخارفها للانسان ابتلاء وامتحانا، قال تعالى: (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوكم أيكم أحسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا) الكهف: 8.
قوله تعالى: (ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد) هذه نقلة ثانية إلى عالم الخلود بنفخ الصور بعد النقلة الأولى، والمراد بنفخ الصور النفخة الثانية المقيمة للساعة أو مجموع النفختين بإرادة مطلق النفخ.
والمراد بيوم الوعيد يوم القيامة الذي ينجز الله تعالى فيه وعيده على المجرمين من عباده.
قوله تعالى: (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد) السياقة حث الماشية على المسير من خلفها بعكس القيادة فهي جلبها من أمامها.
فقوله: (وجاءت كل نفس) أي جاءت إلى الله وحضرت عنده لفصل القضاء، والدليل عليه قوله تعالى: (إلى ربك يومئذ المساق) القيامة: 30.
والمعنى: وحضرت عنده تعالى كل نفس معها سائق يسوقها وشاهد يشهد بأعمالها ولم يصرح تعالى بكونهما من الملائكة أو بكونهما هما الكاتبين أو من غير الملائكة، غير أن السابق إلى الذهن من سياق الآيات أنهما من الملائكة، وسيجئ الروايات في ذلك.
وكذا لا تصريح بكون الشهادة منحصرة في هذا الشاهد المذكور في الآية بل الآيات الواردة في شهداء يوم القيامة تقضي بعدم الانحصار، وكذا الآيات التالية الذاكرة لاختصام الانسان وقرينه دالة على أن مع الانسان يومئذ غير السائق والشهيد.
قوله تعالى: (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) وقوع الآية في سياق آيات القيامة واحتفافها بها يقضي بكونها من خطابات يوم القيامة، و المخاطب بها هو الله سبحانه، والذي خوطب بها هو الانسان المذكور
(٣٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 ... » »»
الفهرست