تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٣٥٦
وفي الآية تذييل الاحتجاج بخلق الانسان والعلم به وبيان سيره إلى الله بالتخويف والانذار نظير ما جرى عليه الكلام في صدر السورة من الاحتجاج على المعاد وتذييله بالتخويف والانذار في قوله: (كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود) الخ.
والمعنى: وكثيرا ما أهلكنا قبل هؤلاء المشركين من قرن هم أي أهل ذلك القرن أشد بطشا منهم أي من هؤلاء المشركين فساروا ببطشهم في البلاد ففتحوها وتحكموا عليها هل من محيد ومنجا من إهلاك الله وعذابه؟
قوله تعالى: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) القلب ما يعقل به الانسان فيميز الحق من الباطل والخير من الشر والنافع من الضار، فإذا لم يعقل ولم يميز فوجوده بمنزلة عدمه إذ ما لا أثر له فوجوده و عدمه سواء، وإلقاء السمع هو الاستماع كأن السمع شئ يلقى إلى المسموع فيناله ويدركه والشهيد الحاضر المشاهد.
والمعنى: إن فيما أخبرنا به من الحقائق وأشرنا إليه من قصص الأمم الهالكة لذكرى يتذكر بها من كان يتعقل فيدرك الحق ويختار ما فيه خيره ونفعه أو استمع إلى حق القول ولم يشتغل عنه بغيره والحال أنه شاهد حاضر يعي ما يسمعه.
والترديد بين من كان له قلب ومن استمع شهيدا لمكان أن المؤمن بالحق أحد رجلين إما رجل ذو عقل يمكنه أن يتناول الحق فيتفكر فيه ويرى ما هو الحق فيذعن به، وأما رجل لا يقوى على التفكر حتى يميز الحق والخير والنافع فعليه أن يستمع القول فيتبعه، وأما من لا قلب له يعقل به ولا يسمع شهيدا على ما يقال له ويلقى إليه من الرسالة والانذار فجاهل متعنت لا قلب له ولا سمع، قال تعالى: (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير) الملك: 10.
قوله تعالى: (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب) اللغوب التعب والنصب، والمعنى ظاهر.
(بحث روائي) في التوحيد بإسناده إلى عمرو بن شمر عن جابر بن يزيد قال: سألت أبا جعفر
(٣٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 ... » »»
الفهرست