تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٣٤٨
والظرف في قوله: (إذ يتلقى المتلقيان) الظاهر أنه متعلق بمحذوف والتقدير أذكر إذ يتلقى المتلقيان، والمراد به الإشارة إلى علمه تعالى بأعمال الانسان من طريق كتاب الأعمال من الملائكة وراء علمه تعالى بذاته من غير توسط الوسائط.
وقيل: الظرف متعلق بقوله في الآية السابقة: (أقرب) والمعنى: نحن أقرب إليه من حبل الوريد في حين يتلقى الملكان الموكلان عليه أعماله ليكتباها.
ولعل الوجه السابق أوفق للسياق فإن بناء هذا الوجه على كون العمدة في الغرض بيان أقربيته تعالى إليه وعلمه به والباقي مقصود لأجله، وظاهر السياق وخاصة بالنظر إلى الآية التالية كون كل من العلم من طريق القرب ومن طريق تلقي الملكين مقصودا بالاستقلال.
وقيل: (إذ) تعليلية تعلل علمه تعالى المدلول عليه بقوله: (و نحن أقرب إليه) الخ، بمفاد مدخولها.
وفيه أن من البعيد من مذاق القرآن أن يستدل على علمه تعالى بعلم الملائكة أو بحفظهم وكتابتهم.
وقوله: (عن اليمين وعن الشمال قعيد) تمثيل لموقعهما من الانسان، واليمين والشمال جانبا الخير والشر ينتسب إليهما الحسنة والسيئة.
قوله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) اللفظ الرمي سمي به التكلم بنوع من التشبيه، والرقيب المحافظ، والعتيد المعد المهيأ للزوم الامر.
والآية تذكر مراقبة الكتبة للانسان فيما يتكلم به من كلام، وهي بعد قوله:
(إذ يتلقى المتلقيان) الخ، من ذكر الخاص بعد العام لمزيد العناية به.
قوله تعالى: (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) الحيد العدول والميل على سبيل الهرب، والمراد بسكرة الموت ما يعرض الانسان حال النزع إذ يشتغل بنفسه وينقطع عن الناس كالسكران الذي لا يدري ما يقول ولا ما يقال له.
وفي تقييد مجئ سكرة الموت بالحق إشارة إلى أن الموت داخل في القضاء الإلهي مراد في نفسه في نظام الكون كما يستفاد من قوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون) الأنبياء: 35، وقد مر تفسيره فالموت - وهو
(٣٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 343 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 ... » »»
الفهرست