تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٢٠١
الشرائع كما تقدم في تفسير قوله تعالى: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) الانعام: 151، ولذلك قال: (ووصينا الانسان) فعممه لكل إنسان.
ثم عقبه سبحانه بالإشارة إلى ما قاسته أمه في حمله ووضعه وفصاله إشعار بملاك الحكم وتهييجا لعواطفه وإثارة لغريزة رحمته ورأفته فقال: (حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) أي حملته أمه حملا ذا كره أي مشقة وذلك لما في حمله من الثقل، ووضعته وضعا ذا كره وذلك لما عنده من ألم الطلق.
وأما قوله: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) فقد اخذ فيه أقل مدة الحمل وهو ستة أشهر والحولان الباقيان إلى تمام ثلاثين شهرا مدة الرضاع، قال تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) البقرة: 233، وقال: (وفصاله في عامين) لقمان: 14.
والفصال التفريق بين الصبي وبين الرضاع، وجعل العامين ظرفا للفصال بعناية أنه في آخر الرضاع ولا يتحقق إلا بانقضاء عامين.
وقوله: (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة) بلوغ الأشد بلوغ زمان من العمر تشتد فيه قوى الانسان، وقد مر نقل اختلافهم في معنى بلوغ الأشد في تفسير قوله: (ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما) يوسف: 22، وبلوغ الأربعين ملازم عادة لكمال العقل.
وقوله: (قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه) الايزاع الالهام، وهذا الالهام ليس بإلهام علم يعلم به الانسان ما جهلته نفسه بحسب الطبع كما في قوله: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) الشمس: 8، بل هو إلهام عملي بمعنى البعث والدعوة الباطنية إلى فعل الخير وشكر النعمة وبالجملة العمل الصالح.
وقد أطلق النعمة التي سأل إلهام الشكر عليها فتعم النعم الظاهرية كالحياة والرزق والشعور والإرادة، والباطنية كالايمان بالله والاسلام والخشوع له والتوكل عليه والتفويض إليه ففي قوله: (رب أوزعني أن أشكر نعمتك) الخ، سؤال أن يلهمه الثناء عليه بإظهار نعمته قولا وفعلا: أما قولا فظاهر، وأما فعلا فباستعمال هذه النعم
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»
الفهرست