على أن في كلامه تعالى ما يدل على الاتيان بالنار إلى الذين كفروا كقوله: وجئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الانسان وأني له الذكرى) الفجر: 23.
فالحق أن العرض وهو إظهار عدم المانع من تلبس شئ بشئ معنى له نسبة إلى الجانبين يمكن أخذ كل منهما أصلا معروضا عليه والاخر فرعا معروضا فتارة تؤخذ النار معروضة على الكافرين بعناية أن لا مانع من عمل صالح أو شفاعة تمنع من دخولهم فيها كقوله تعالى: (وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا) الكهف: 100، وتارة يؤخذ الكفار معروضين للنار بعناية أن لا مانع يمنع النار أن تعذبهم، كما في قوله:
(النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) المؤمن: 36، وقوله: (يعرض الذين كفروا على النار) الآية.
وعلى هذا فالأشبه تحقق عرضين يوم القيامة: عرض جهنم للكافرين حين تبرز لهم ثم عرضهم على جهنم بعد الحساب والقضاء الفصل بدخولهم فيها حين يساقون إليها، قال تعالى: (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا) الزمر: 71.
وقوله: (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها) على تقدير القول أي يقال لهم: (أذهبتم) الخ، والطيبات الأمور التي تلائم النفس وتوافق الطبع ويستلذ بها الانسان، وإذهاب الطيبات إنفادها بالاستيفاء لها، والمراد بالاستمتاع بها استعمالها والانتفاع بها لنفسها لا للآخرة والتهيؤ لها.
والمعنى: يقال لهم حين عرضهم على النار: أنفذتم الطيبات التي تلتذون بها في حياتكم الدنيا واستمتعتم بتلك الطيبات فلم يبق لكم شئ تلتذون به في الآخرة.
وقوله: (فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون) تفريع على إذهابهم الطيبات، وعذاب الهون العذاب الذي فيه الهوان والخزي.
والمعنى: فاليوم تجزون العذاب الذي فيه الهوان والخزي قبال استكباركم في الدنيا عن الحق وقبال فسقكم وتوليكم عن الطاعات، وهما ذنبان أحدهما متعلق بالاعتقاد وهو الاستكبار عن الحق والثاني متعلق بالعمل وهو الفسق.