أما أولا: فلما تقدم بيانه في تفسير الآية أعني قوله: (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) أنها أجنبية عن العلم بالغيب الذي هو من طريق الوحي بدلالة صريحة من القرآن فلا ينفي بها العلم بالمغفرة من طريق الوحي حتى تنسخها آية سورة الفتح.
وأما ثانيا: فلان ظاهر الرواية أن الذنب الذي تصرح بمغفرته آية سورة الفتح هو الذنب بمعنى مخالفة الأمر والنهي المولويين وسيأتي في تفسير سورة الفتح - إن شاء الله تعالى - أن الذنب في الآية لغير هذا المعنى.
وأما ثالثا: فلان الآيات الدالة على دخول المؤمنين الجنة كثيرة جدا في مكية السور ومدنيتها ولا تدل آيتا سورة الأحزاب على أزيد مما يدل عليه سائر الآيات فلا وجه لتخصيصهما بالدلالة على دخول المؤمنين الجنة وشمول المغفرة لهم.
على أن سورة الأحزاب نازلة قبل سورة الفتح بزمان.
وفيه أخرج أبو يعلى وابن جرير والطبراني والحاكم وصححه بسند صحيح عن عوف بن مالك الأشجعي قال: انطلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا معه حتى دخلنا على كنيسة اليهود يوم عيدهم فكرهوا دخولنا عليهم.
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أروني اثني عشر رجلا منكم - يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله - يحبط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي عليه فسكتوا فما أجابه منهم أحد ثم رد عليهم فلم يجبه أحد فثلث فلم يجبه أحد فقال:
أبيتم فوالله لأنا الحاشر وأنا العاقب وأنا المقفي آمنتم أو كذبتم.
ثم انصرف وأنا معه حتى كدنا أن نخرج فإذا رجل من خلفه فقال: كما أنت يا محمد، فأقبل فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلمونني فيكم يا معشر اليهود؟ فقالوا: والله لا نعلم فينا رجلا أعلم بكتاب الله ولا أفقه منك ولا من أبيك ولا من جدك، فقال:
إني أشهد بالله أنه النبي الذي تجدونه في التوراة والإنجيل، قالوا: كذبت ثم ردوا عليه وقالوا شرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كذبتم لن يقبل منكم قولكم.
فخرجنا ونحن ثلاث: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا وابن سلام فأنزل الله: (قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فامن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين).
أقول: وفي نزول الآية في عبد الله بن سلام روايات أخرى من طرق أهل السنة