تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٢٠٥
ومعنى توفيتهم أعمالهم إعطاؤهم نفس أعمالهم فالآية من الآيات الدالة على تجسم الأعمال، وقيل: الكلام على تقدير مضاف والتقدير وليوفيهم أجور أعمالهم.
قوله تعالى: (ويوم يعرض الذين كفروا على النار) الخ، عرض الماء على الدابة وللدابة وضعه بمرئى منها بحيث إن شاءت شربته، وعرض المتاع على البيع وضعه موضعا لا مانع من وقوع البيع عليه.
وقوله: (ويوم يعرض الذين كفروا على النار) قيل: المراد بعرضهم على النار تعذيبهم فيها من قولهم: عرض فلان على السيف إذا قتل وهو مجاز شائع.
وفيه أن قوله في آخر السورة (ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب) لا يلائمه تلك الملاءمة حيث فرع ذوق العذاب على العرض فهو غيره.
وقيل: إن في الآية قلبا والأصل عرض النار على الذين كفروا لان من الواجب في تحقق معنى العرض أن يكون في المعروض عليه شعور بالمعروض والنار لا شعور لها بالذين كفروا بل الامر بالعكس ففي الكلام قلب، والمراد عرض النار على الذين كفروا.
ووجهه بعض المفسرين بأن المناسب أن يؤتى بالمعروض إلى المعروض عليه كما في قولنا: عرضت الماء على الدابة وعرضت الطعام على الضيف، ولما كان الامر في عرض النار على الذين كفروا بالعكس فإنهم هم المسيرون إلى النار فقلب الكلام رعاية لهذا الاعتبار.
وفيه نظر أما ما ذكر من أن المعروض عليه يجب أن يكون ذا شعور وإدراك بالمعروض حتى يرغب إليه أو يرغب عنه والنار لا شعور لها ففيه أولا: أنه ممنوع كما يؤيده قولهم: عرضت المتاع على البيع، وقوله تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال) الأحزاب: 72، وثانيا: أنا لا نسلم خلو نار الآخرة عن الشعور، ففي الأخبار الصحيحة أن للجنة والنار شعورا ويشعر به قوله:
(يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد) ق: 30، وغيره من الآيات.
وأما ما قيل من أن المناسب تحريك المعروض إلى المعروض عليه فلا نسلم لزومه ولا اطراده فهو منقوض بقوله: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض) الآية: الأحزاب: 72.
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»
الفهرست