تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ١٧٧
والخطاب عام لكل من يصح منه الرؤية وإن كان متوجها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمراد بالدعوة إلى الكتاب الدعوة إلى الحساب على ما ينطق به الكتاب بإحصائه الأعمال بشهادة قوله بعده: (اليوم تجزون ما كنتم تعملون).
والمعنى: وترى أنت وغيرك من الرائين كل أمة من الأمم جالسة على الجثو جلسة الخاضع الخائف كل أمة منهم تدعى إلى كتابها الخاص بها وهي صحيفة الأعمال وقيل لهم: اليوم تجزون ما كنتم تعملون.
ويستفاد من ظاهر الآية أن لكل أمة كتابا خاصا بهم كما أن لكل إنسان كتابا خاصا به قال تعالى: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا) أسرى: 13.
قوله تعالى: (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) قال في الصحاح: ونسخت الكتاب وانتسخته واستنسخته كله بمعنى، والنسخة اسم المنتسخ منه. انتهى، وقال الراغب: النسخ إزالة الشئ بشئ يتعقبه كنسخ الشمس الظل ونسخ الظل الشمس والشيب الشباب - إلى أن قال - ونسخ الكتاب نقل صورته المجردة إلى كتاب آخر وذلك لا يقتضي إزالة الصورة الأولى بل يقتضي إثبات مثلها في مادة أخرى كاتخاذ نقش الخاتم في شموع كثيرة، والاستنساخ التقدم بنسخ الشئ والترشح للنسخ. انتهى.
ومقتضى ما نقل أن المفعول الذي يتعدى إليه الفعل في قولنا: استنسخت الكتاب هو الأصل المنقول منه، ولازم ذلك أن تكون الأعمال في قوله: (إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) كتابا وأصلا وإن شئت فقل: في أصل وكتاب يستنسخ وينقل منه ولو أريد به ضبط الأعمال الخار جية القائمة بالانسان بالكتابة لقيل: إنا كنا نكتب ما كنتم تعملون إذ لا نكتة تستدعي فرض هذه الأعمال كتابا وأصلا يستنسخ، ولا دليل على كون (يستنسخ) بمعنى يستكتب كما ذكره بعضهم.
ولازم ذلك أن يكون المراد بما تعملون هو أعمالهم الخارجية بما أنها في اللوح المحفوظ فيكون استنساخ الأعمال استنساخ ما يرتبط بأعمالهم من اللوح المحفوظ وتكون
(١٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 ... » »»
الفهرست