وقوله: (أفلا تذكرون) أي أفلا تتفكرون في حاله فتتذكروا أن هؤلاء لا سبيل لهم إلى الهدى مع اتباع الهوى فتتعظوا.
قوله تعالى: (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) إلى آخر الآية، قال الراغب: الدهر في الأصل اسم لمدة العالم من مبدأ وجوده إلى انقضائه، وعلى ذلك قوله تعالى: (هل أتى على الانسان حين من الدهر) ثم يعبر به عن كل مدة كثيرة، وهو خلاف الزمان فإن الزمان يقع على المدة القليلة والكثيرة. انتهى.
والآية على ما يعطيه السياق - سياق الاحتجاج على الوثنيين المثبتين للصانع المنكرين للمعاد - حكاية قول المشركين في إنكار المعاد لا كلام الدهريين الناسبين للحوادث وجودا وعدما إلى الدهر المنكرين للمبدأ والمعاد جميعا إذا لم يسبق لهم ذكر في الآيات السابقة.
فقولهم: (ما هي إلا حياتنا الدنيا) الضمير للحياة أي لا حياة لنا إلا حياتنا الدنيا لا حياة وراءها فلا وجود لما يدعيه الدين الإلهي من البعث والحياة الآخرة، وهذا هو القرينة المؤيدة لان يكون المراد بقوله: (نموت ونحيا) يموت بعضنا ويحيا بعضنا الاخر فيستمر بذلك بقاء النسل الانساني بموت الأسلاف وحياة الاخلاف ويؤيد ذلك بعض التأييد قوله بعده: (وما يهلكنا إلا الدهر) المشعر بالاستمرار.
فالمعنى: و قال المشركون: ليست الحياة إلا حياتنا الدنيا التي نعيش بها في الدنيا فلا يزال يموت بعضنا وهم الأسلاف ويحيى آخرون وهم الاخلاف وما يهلكنا إلا الزمان - الذي بمروره يبلى كل جديد ويفسد كل كائن ويميت كل حي - فليس الموت انتقالا من دار إلى دار منتهيا إلى البعث والرجوع إلى الله.
ولعل هذا كلام بعض الجهلة من وثنية العرب وإلا فالعقيدة الدائرة بين الوثنية هي التناسخ وهو أن نفوس غير أهل الكمال إذا فارقت الأبدان تعلقت بأبدان أخرى جديدة فإن كانت النفس المفارقة اكتسبت السعادة في بدنها السابق تعلقت ببدن جديد تتنعم فيه وتسعد، وإن كانت اكتسبت الشقاء في البدن السابق تعلقت ببدن لاحق تشقى فيه وتعذب جزاء لعملها السيئ وهكذا، وهؤلاء لا ينكرون استناد أمر الموت كالحياة إلى وساطة الملائكة.