تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ١٧٣
اعبدوني) يس: 61، وقوله: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) التوبة: 31، وقوله: (ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) آل عمران: 64.
والاعتبار يوافقه إذ ليست العبادة إلا إظهار الخضوع وتمثيل أن العابد عبد لا يريد ولا يفعل إلا ما أراده ورضيه معبوده فمن أطاع شيئا فقد اتخذه إلها وعبده فمن أطاع هواه فقد اتخذ إلهه هواه ولا طاعة إلا لله أو من أمر بطاعته.
فقوله: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) أي ألا تعجب ممن يعبد هواه بإطاعته واتباعه وهو يعلم أن له إلها غيره يجب أن يعبده ويطيعه لكنه يجعل معبوده ومطاعه هو هواه.
وقوله: (وأضله الله على علم) أي هو ضال بإضلال منه تعالى يضله به مجازاة لاتباعه الهوى حال كون إضلاله مستقرا على علم هذا الضال، ولا ضير في اجتماع الضلال مع العلم بالسبيل ومعرفته كما في قوله تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم) النمل:
14، وذلك أن العلم لا يلازم الهدى ولا الضلال يلازم الجهل بل الذي يلازم الهدى هو العلم مع التزام العالم بمقتضى علمه فيتعقبه الاهتداء وأما إذا لم يلتزم العالم بمقتضى علمه لاتباع منه للهوى فلا موجب لاهتدائه بل هو الضلال وإن كان معه علم.
وأما قول بعضهم: إن المراد بالعلم هو علمه تعالى والمعنى: وأضله الله على علم منه تعالى بحاله فبعيد عن السياق.
وقوله: (وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة) كالعطف التفسيري لقوله: (وأضله الله على علم) والختم على السمع والقلب هو أن لا يسمع الحق ولا يعقله، وجعل الغشاوة على البصر هو أن لا يبصر الحق من آيات الله ومحصل الجميع: أن لا يترتب على السمع والقلب والبصر أثرها وهو الالتزام بمقتضى ما ناله من الحق إذا أدركه لاستكبار من نفسه واتباع للهوى، وقد عرفت أن الضلال عن السبيل لا ينافي العلم به إذا لم يكن هناك التزام بمقتضاه.
وقوله: (فمن يهديه من بعد الله) الضمير لمن اتخذ إلهه هواه والتفريع على ما تحصل من حاله أي إذا كان حاله هذا الحال وقد أضله الله على علم الخ، فمن يهديه من بعد الله سبحانه فلا هادي دونه قال تعالى: (قل إن هدى الله هو الهدى) البقرة: 120 وقال: (ومن يضلل الله فما له من هاد) المؤمن: 33.
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»
الفهرست