تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ١٧٦
قوله تعالى: (قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون - إلى قوله - والأرض) ما ذكر من اقتراحهم الحجة على مطلوب قامت عليه الحجة وإن كان اقتراحا جزافيا لا يستدعي شيئا من الجواب لكنه سبحانه أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيبهم بإثبات إمكانه الذي كانوا يستبعدونه.
ومحصله: أن الذي يحييكم لأول مرة ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة الذي لا ريب فيه هو الله سبحانه ولله ملك السماوات والأرض يحكم فيها ما يشاء ويتصرف فيها كيفما يريد فله أن يحكم برجوع الناس إليه ويتصرف فيكم بجمعكم إلى يوم القيامة والقضاء بينكم ثم الجزاء، والباقي ظاهر.
قوله تعالى: (ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون) قال الراغب: الخسر والخسران انتقاص رأس المال وينسب ذلك إلى الانسان فيقال: خسر فلان، وإلى الفعل فيقال: خسرت تجارته، قال تعالى: (تلك إذا كرة خاسرة) ويستعمل ذلك في المقتنيات الخارجية كالمال والجاه في الدنيا وهو الأكثر، وفي المقنيات النفسية كالصحة والسلامة والعقل والايمان والثواب وهو الذي جعله الله تعالى الخسران المبين.
قال: وكل خسران ذكره الله تعالى في القرآن فهو على هذا المعنى الأخير دون الخسران المتعلق بالمقتنيات المالية والتجارات البشرية.
وقال: والابطال يقال في إفساد الشئ وإزالته سواء كان ذلك الشئ حقا أو باطلا قال تعالى: (ليحق الحق ويبطل الباطل) وقد يقال فيمن يقول شيئا لا حقيقة له نحو (ولئن جئتهم باية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون)، وقوله تعالى:
(خسر هنالك المبطلون) أي الذين يبطلون الحق. انتهى.
والأشبه أن يكون المراد بقيام الساعة فعلية ما يقع فيها من البعث والجمع والحساب والجزاء وظهوره، وبذلك صح جعل الساعة مظروفا لليوم وهما واحد، والأشبه أن يكون قوله: (يومئذ) تأكيدا لقوله: (يوم تقوم الساعة).
والمعنى: ويوم تقوم الساعة وهي يوم الرجوع إلى الله يومئذ يخسر المبطلون الذين أبطلوا الحق وعدلوا عنه.
قوله تعالى: (وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها) الخ، الجثو البروك على الركبتين كما أن الجذو البروك على أطراف الأصابع.
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»
الفهرست