القرآن تعلق الايقان بالأصول الاعتقادية.
وتخصيص الهدى والرحمة بقوم يوقنون مع التصريح بكونه بصائر للناس لا يخلو من تأييد لكون المراد بالهدى الوصول إلى المطلوب دون مجرد التبصر، وبالرحمة الرحمة الخاصة بمن اتقى وآمن برسوله بعد الايمان بالله، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم) الحديد: 28، وقال: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب - إلى أن قال - وبالآخرة هم يوقنون) البقرة: 4، وللرحمة درجات كثيرة تختلف سعة وضيقا ثم للرحمة الخاصة بأهل الايمان أيضا مراتب مختلفة باختلاف مراتب الايمان فلكل مرتبة من مراتبه ما يناسبها منها.
وأما الرحمة بمعنى مطلق الخير الفائض منه تعالى فإن القرآن بما يشتمل على الشريعة رحمة للناس كافة كما أن الرسول المبعوث به رحمة لهم جميعا، قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء: 107، وقد أوردنا بعض الكلام في هذا المعنى في بعض المباحث السابقة.
قوله تعالى: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم) الخ، قال في الجمع: الاجتراح الاكتساب، يقال:
جرح واجترح وكسب واكتسب وأصله من الجراح لان لذلك تأثيرا كتأثير الجراح.
قال: والسيئة الفعلة القبيحة التي يسوء صاحبها باستحقاق الذم عليها. انتهى.
والجعل بمعنى التصيير، وقوله: (كالذين آمنوا وعملوا الصالحات) في محل المفعول الثاني للجعل، والتقدير كائنين كالذين آمنوا، الخ.
وجزم الزمخشري في الكشاف على كون الكاف في (كالذين) اسما بمعنى المثل هو مفعول ثان لقوله: (نجعلهم)، وقوله: (سواء) بدلا منه.
وقوله: (سواء) بالنصب على القراءة الدائرة وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل أي مستويا أو متساويا، وقوله: (محياهم) مصدر ميمي وفاعل (سواء) وضميره راجع إلى مجموع المجترحين والمؤمنين، و (مماتهم) معطوف على (محياهم) وحاله كحاله.
والآية مسوقة سوق الانكار و (أم) منقطعة، والمعنى: بل أحسب وظن الذين يكتسبون السيئات أن نصيرهم مثل الذين آمنوا وعملوا الصالحات مستويا محياهم