أن هؤلاء ينفون الحياة بعد الموت ويقولون: إن هي إلا موتتنا يريدون الموتة الأولى من الموتتين اللتين ذكرنا في قولنا: (قالوا ربنا أمتنا اثنتين) الآية.
والوجوه الأربع مختلفة في القرب من الفهم فأقربها ثالثها ثم الرابع ثم الأول.
قوله تعالى: (فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين) تتمة كلام القوم وخطاب منهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين به حيث كانوا يذكرون لهم البعث والاحياء فاحتجوا لرد الاحياء بعد الموت بقولهم: (فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين) أي فليحي آباؤنا الماضون بدعائكم أو بأي وسيلة اتخذتموها حتى نعلم صدقكم في دعواكم أن الأموات سيحيون وأن الموت ليس بانعدام.
قوله تعالى: (أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين) تهديد للقوم بالاهلاك كما أهلك قوم تبع والذين من قبلهم من الأمم.
وتبع هذا ملك من ملوك الحمير باليمن واسمه على ما ذكروا أسعد أبو كرب وقيل: سعد أبو كرب وسيأتي في البحث الروائي نبذة من قصته وفي الكلام نوع تلويح إلى سلامة تبع نفسه من الاهلاك.
قوله تعالى: (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون) ضمير التثنية في قوله: (وما بينهما) لجنسي السماوات والأرض ولذا لم يجمع، والباء في قوله (بالحق) للملابسة أي ما خلقنا هما إلا متلبستين بالحق، وجوز بعضهم كونها للسببية أي ما خلقنا هما بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق الذي هو الايمان والطاعة والبعث والجزاء، ولا يخفى بعده.
ومضمون الآيتين حجة برهانية على ثبوت المعاد وتقريرها أنه لو لم يكن وراء هذا العالم عالم ثابت باق بل كان الله لا يزال يوجد أشياء ثم يعدمها ثم يوجد أشياء أخر ثم يعدمها ويحيي هذا ثم يميته ويحيي آخر وهكذا كان لاعبا في فعله عابثا به واللعب عليه تعالى محال ففعله حق له غرض صحيح فهناك عالم آخر باق دائمي ينتقل إليه الأشياء وما في هذا العالم الدنيوي الفاني البائد مقدمة للانتقال إلى ذلك العالم وهو الحياة الآخرة.
وقد فصلنا القول في هذا البرهان في تفسير الآية 16 من سورة الأنبياء والآية 27 من سورة ص فليراجع.