تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ١٤٥
فقولهم: (إن هي إلا موتتنا الأولى) الضمير فيه للعاقبة والنهاية أي ليست عاقبة أمرنا ونهاية وجودنا وحياتنا إلا موتتنا الأولى فنعدم بها ولا حياة بعدها أبدا.
ووجه تقييد الموتة في الآية بالأولى، بأنه ليس بقيد احترازي إذ لا ملازمة بين الأول والاخر أو بين الأول والثاني فمن الجائز أن يكون هناك شئ أول ولا ثاني له ولا في قباله آخر، كذا قيل.
وهناك وجه آخر ذكره الزمخشري في الكشاف فقال: فإن قلت: كان الكلام واقعا في الحياة الثانية لا في الموت فهلا قيل: إلا حياتنا الأولى وما نحن بمنشرين كما قيل: إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين، وما معنى قوله: (إلا موتتنا الأولى)؟ وما معنى ذكر الأولى؟ كأنهم وعدوا موتة أخرى حتى نفوها وجحدوها وأثبتوا الأولى.
قلت: معناه - والله الموفق للصواب - أنهم قيل لهم: إنكم تموتون موتة تتعقبها حياة كما تقدمتكم موتة قد تعقبتها حياة وذلك قوله عز وجل: (وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) فقالوا: إن هي إلا موتتنا الأولى يريدون ما الموتة التي من شأنها أن تتعقبها حياة إلا الموتة الأولى دون الموتة الثانية، وما هذه الصفة التي تصفون بها الموتة من تعقب الحياة لها إلا للموتة الأولى خاصة فلا فرق إذا بين هذا وبين قوله:
(إن هي إلا حياتنا الدنيا) في المعنى انتهى.
ويمكن أن يوجه بوجه ثالث وهو أن يقولوا: (إن هي إلا موتتنا الأولى) بعد ما سمعوا قوله تعالى: (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) الآية، وقد تقدم في تفسير الآية أن الإماتة الأولى هي الموتة بعد الحياة الدنيا، والإماتة الثانية هي التي بعد الحياة البرزخية فهم في قولهم: (إن هي إلا موتتنا الأولى) ينفون الموتة الثانية الملازمة للحياة البرزخية التي هي حياة بعد الموت فإنهم يرون موت الانسان انعداما له وبطلانا لذاته.
ويمكن أن يوجه بوجه رابع وهو أن يرجع التقيد بالأولى إلى الحكاية دون المحكي وذلك بأن يكون الذي قالوا إنما هو (إن هي إلا موتتنا) ويكون معنى الكلام
(١٤٥)
مفاتيح البحث: الزمخشري (1)، الموت (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»
الفهرست