تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ١٥١
وقوله: (ووقاهم عذاب الجحيم) الوقاية حفظ الشئ مما يؤذيه ويضره، فالمعنى: وحفظهم من عذاب الجحيم، وذكر وقايتهم من عذاب الجحيم مع نفي الموت عنهم تتميم لقسمة المكاره أي إنهم مصونون من الانتقال من دار إلى دار ومن نشأة الجنة إلى نشأة غيرها وهو الموت ومصونون من الانتقال من حال سعيدة إلى حال شقية وهي عذاب الجحيم.
قوله تعالى: (فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم) حال مما تقدم ذكره من الكرامة والنعمة، ويمكن أن يكون مفعولا مطلقا أو مفعولا له، وعلى أي حال هو تفضل منه تعالى من غير استحقاق من العباد استحقاقا يوجب عليه تعالى ويلزمه على الإثابة فإنه تعالى مالك غير مملوك لا يتحكم عليه شئ، وإنما هو وعده لعباده ثم أخبر أنه لا يخلف وعده، وقد تقدم تفصيل القول في هذا المعنى في الأبحاث السابقة.
وقوله: (ذلك هو الفوز العظيم) الفوز هو الظفر بالمراد وكونه فوزا عظيما لكونه آخر ما يسعد به الانسان.
قوله تعالى: (فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون) تفريع على جميع ما تقدم من أول السورة إلى هنا وفذلكة للجميع، والتيسير التسهيل، والضمير للكتاب والمراد بلسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم العربية.
والمعنى: فإنما سهلنا القرآن - أي فهم مقاصده - بالعربية لعلهم - أي لعل قومك - يتذكرون فتكون الآية قريبة المعنى من قوله: (إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) الزخرف: 3.
وقيل المراد من تيسير الكتاب بلسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إجراؤه على لسانه وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب ليكون آية لصدق نبوته، وهو بعيد من سياق الفذلكة. قوله تعالى: (فارتقب إنهم مرتقبون) كأنه متفرع على ما يتفرع على الآية السابقة، ومحصل المعنى أنا يسرناه بالعربية رجاء أن يتذكروا فلم يتذكروا بل هم في شك يلعبون وينتظرون العذاب الذي لا مرد له من المكذبين فانتظر العذاب إنهم منتظرون له.
فإطلاق المرتقبين على القوم من باب التهكم، ومن سخيف القول قول من يقول إن في الآية أمرا بالمتاركة وهي منسوخة باية السيف.
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»
الفهرست