فالمعنى: وأقسم لئن أذقنا الانسان رحمة هي منا ولا يستحقها ولا يملكها فأذقناها من بعد ضراء مسته وذلك يدله على أنه لا يملك ما أذيقه نسي ما كان من قبل وقال:
هذا لي - يشير إلى شخص النعمة ولا يسميها رحمة - وليس لاحد أن يمنعني عما أفعل فيه ويحاسبني عليه وما أظن الساعة - وهي يوم الحساب - قائمة، وأقسم لئن رجعت إلى ربي وقامت ساعة كانت لي عنده العاقبة الحسنى لكرامتي عليه كما أنعم علي من النعمة.
والآية نظيرة قوله في قصة صاحب الجنة: " ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا " الكهف: 36.
وقد تقدم بعض الكلام فيه.
وقوله: " فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ " تهديد ووعيد.
قوله تعالى: " وإذا أنعمنا على الانسان أعرض ونئا بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض " النأي الابتعاد، والمراد بالجانب الجارحة وهي الجنب أو المراد الجهة والمكان فقوله: " نأى بجانبه " كناية عن الابتعاد بنفسه وهو كناية عن التكبر والخيلاء، والمراد بالعريض الوسيع، والدعاء العريض كالدعاء الطويل كناية عما استمر وأصر عليه الداعي، والآية في مقام ذم الانسان وتوبيخه أنه إذا أنعم الله عليه أعرض عنه وتكبر وإذا سلب النعمة ذكر الله وأقبل عليه بالدعاء مستمرا مصرا.
قوله تعالى: " قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد " " أرأيتم " أي أخبروني، والشقاق والمشاقة الخلاف، والشقاق البعيد الخلاف الذي لا يقارب الوفاق وهو شديده، وقوله: " ممن هو في شقاق بعيد " كناية عن المشركين ولم يقل: منكم بل أتى بالموصول والصلة وذلك في معنى الصفة ليدل على علة الحكم وهو الشقاق البعيد من الحق.
والمعنى: قل للمشركين أخبروني إن كان هذا القرآن من عند الله ثم كفرتم به من أضل منكم؟ أي لا أضل منكم لأنكم في خلاف بعيد من حق ما فوقه حق.
فمفاد الآية أن القرآن يدعوكم إلى الله ناطقا بأنه من عند الله فلا أقل من احتمال صدقه في دعواه وهذا يكفي في وجوب النظر في أمره دفعا للضرر المحتمل وأي ضرر أقوى من الهلاك الأبدي فلا معنى لاعراضكم عنه بالكلية.