وقوله: " وظنوا ما لهم من محيص " الظن - على ما قيل - بمعنى اليقين، والمحيص المهرب والمفر، والمعنى: ويوم ينادي الله المشركين: أين شركائي؟ - على زعمكم - قالوا:
أعلمناك ما منا من يشهد عليك بالشركاء - أو ما منا من يشاهد الشركاء وغاب عنهم ما كانوا يدعون من دون الله في الدنيا، وأيقنوا أن ليس لهم مهرب من العذاب.
قوله تعالى: " لا يسأم الانسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيؤس قنوط " السأمة الملال، واليأس والقنوط بمعنى وهو انقطاع الرجاء، والدعاء الطلب.
شروع في ختم الكلام في السورة ببيان ما هو السبب في جحودهم ودفعهم الحق الصريح، وهو أن الانسان مغتر بنفسه فإذا مسه شر يعجز عن دفعه يئس من الخير وتعلق بذيل الدعاء والمسألة وتوجه إلى ربه، وإذا مسه خير اشتغل به وأعجب بنفسه وأنساه ذلك كل حق وحقيقة.
والمعنى: لا يمل الانسان من طلب الخير وهو ما يراه نافعا لحياته ومعيشته وإن مسه الشر فكثير اليأس والقنوط لما يرى من سقوط الأسباب التي كان يستند إليها، وهذا لا ينافي تعلق رجائه إذ ذاك بالله سبحانه كما سيأتي.
قوله تعالى: " ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي " الخ الأصل بالنظر إلى مضمون الآية السابقة أن يقال: وإن ذاق خيرا قال: هذا لي لكن بدل ذاق من " أذقناه " و " خيرا " من قوله: " رحمة منا " ليدل على أن الخير الذي ذاقه هو رحمة من الله أذاقه إياها وليس بمصيبة برأسه ولا هو يملكه ولو كان يملكه لم ينفك عنه ولم يمسسه الضراء، ولذا قيد قوله: " ولئن أذقناه " الخ بقوله:
" من بعد ضراء مسته ".
وقوله: " ليقولن هذا لي " أي أنا أملكه فلي أن أفعل فيه ما أشاء وأتصرف فيه كيف أريد، فليس لأحد أن يمنعني من شئ منه أو يحاسبني على فعل، ولهذا المعنى عقبه بقوله: " وما أظن الساعة قائمة " فإن الساعة هي يوم الحساب.
وقوله: " ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى " أي للمثوبة الحسنى أو للعاقبة الحسنى، وهذا مبني على ما يراه لنفسه من الكرامة واستحقاق الخير كأنه يقول: ما ملكته من الخير لو كان من الله فإنما هو لكرامة نفسي عليه وعلى هذا فإن قامت الساعة ورجعت إلى ربي كانت لي عنده العاقبة الحسنى.