والتقدير لا يأتيه منهم أي لا يأتيه من قبلهم ما يبطله ولا يقدرون على ذلك أو بجعل أل في الباطل عوضا من الضمير والمعنى لا يأتيه باطلهم.
وقيل: إن قوله: " وإنه لكتاب عزيز " الخ قائم مقام الخبر، والتقدير إن الذين كفروا بالذكر كفروا به وإنه لكتاب عزيز.
وقيل: الخبر قوله: " ما يقال لك " الخ بحذف الضمير وهو " فيهم " والمعنى ما يقال لك في الذين كفروا بالذكر إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن لهم عذاب الاستئصال في الدنيا وعذاب النار في الآخرة، ووجوه التكلف في هذه الوجوه غير خفية على المتأمل البصير.
وقوله: " وإنه لكتاب عزيز " الضمير للذكر وهو القرآن، والعزيز عديم النظير أو المنيع الممتنع من أن يغلب، والمعنى الثاني أنسب لما يتعقبه من قوله: " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ".
وقوله: " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه " إتيان الباطل إليه وروده فيه وصيرورة بعض أجزائه أو جميعها باطلا بأن يصير ما فيه من المعارف الحقة أو بعضها غير حقة أو ما فيه من الاحكام والشرائع وما يلحقها من الأخلاق أو بعضها لغى لا ينبغي العمل به.
وعليه فالمراد بقوله: " من بين يديه ولا من خلفه " زمانا الحال والاستقبال أي زمان النزول وما بعده إلى يوم القيامة، وقيل: المراد بما بين يديه ومن خلفه جميع الجهات، كالصباح والمساء كناية عن الزمان كله فهو مصون من البطلان من جميع الجهات وهذا العموم على الوجه الأول مستفاد من إطلاق النفي في قوله: " لا يأتيه ".
والمدلول على أي حال أنه لا تناقض في بياناته، ولا كذب في أخباره، ولا بطلان يتطرق إلى معارفه وحكمه وشرائعه، ولا يعارض ولا يغير بإدخال ما ليس منه فيه أو بتحريف آية من وجه إلى وجه.
فالآية تجري مجري قوله: " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " الحجر: 9.
وقوله: " تنزيل من حكيم حميد " بمنزلة التعليل لكونه كتابا عزيزا لا يأتيه