ادفع بالخصلة التي هي أحسن الخصلة السيئة التي تقابلها وتضادها فادفع بالحق الذي عندك باطلهم لا بباطل آخر وبحلمك جهلهم وبعفوك إساءتهم وهكذا.
وقوله: " فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " بيان لاثر الدفع بالأحسن ونتيجته، والمراد أنك إن دفعت بالتي هي أحسن فاجأك أن عدوك صار كأنه ولي شفيق.
قيل: " الذي بينك وبينه عداوة " أبلغ من " عدوك " ولذا اختاره عليه مع اختصاره.
ثم عظم الله سبحانه الدفع بالتي هي أحسن ومدحه أحسن التعظيم وأبلغ المدح بقوله: " وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم " أي ذو نصيب وافر من كمال الانسانية وخصال الخير.
وفي الآية مع ذلك دلالة ظاهرة على أن الحظ العظيم إنما يوجد لأهل الصبر خاصة.
قوله تعالى: " وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم " النزغ النخس وهو غرز جنب الدابة أو مؤخرها بقضيب ونحوه ليهيج، و " ما " في " إما ينزغنك " زائدة والأصل وإن ينزغنك فاستعذ.
والنازغ هو الشيطان أو تسويله ووسوسته، والأول هو الأنسب لمقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه لا سبيل للشيطان إليه بالوسوسة غير أنه يمكن أن يقلب له الأمور بالوسوسة على المدعوين من أهل الكفر والجحود فيبالغوا في جحودهم ومشاقتهم وإيذائهم له فلا يؤثر فيهم الدفع بالأحسن ويؤل هذا إلى نزغ من الشيطان بتشديد العداوة في البين كما في قوله: " من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي " يوسف: 100، قال تعالى: " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته " الآية الحج: 52.
ولو حمل على الوجه الثاني فالمتعين حمله على مطلق الدستور تتميما للامر، وهو بوجه من باب " إياك أعني واسمعي يا جارة ".
وقوله: " فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم " العوذ والعياذ بكسر العين والمعاذ والاستعاذة بمعنى وهو الالتجاء والمعنى فالتجئ بالله من نزغه إنه هو السميع لمسألتك العليم بحالك أو السميع لأقوالكم العليم بأفعالكم.
قوله تعالى: " ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر " الخ لما ذكر سبحانه