فالآية تبشرهم بأن لهم في الآخرة ما يمكن أن تتعلق به شهواتهم من أكل وشرب ونكاح وغير ذلك بل ما هو أوسع من ذلك وأعلى كعبا وهو أن لهم ما يشاؤن فيها كما قال تعالى: " لهم ما يشاؤن فيها " ق: 35.
قوله تعالى: " ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين " للآية اتصال بقوله السابق: " وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن، والغوا فيه " الآية فإنهم كانوا يخاصمون النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ينازعون القرآن، وقد ذكر في أول السورة قولهم: " قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه " الآية فأيد سبحانه في هذه الآية نبيه بأن قوله وهو دعوته أحسن القول.
فقوله: " ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله " المراد به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان لفظ الآية يعم كل من دعا إلى الله ولما أمكن أن يدعو الداعي إلى الله لغرض فاسد وليست الدعوة التي هذا شأنها من القول الأحسن قيده بقوله: " وعمل صالحا " فإن العمل الصالح يكشف عن نية صالحة غير أن العمل الصالح لا يكشف عن الاعتقاد الحق والالتزام به، ولا حسن في قول لا يقول به صاحبه ولذا قيده بقوله: " وقال إنني من المسلمين " والمراد بالقول الرأي والاعتقاد على ما يعطيه السياق.
فإذا تم الاسلام لله والعمل الصالح للانسان ثم دعا إلى الله كان قوله أحسن القول لان أحسن القول أحقه وأنفعه ولا قول أحق من كلمة التوحيد ولا أنفع منها وهي الهادية للانسان إلى حاق سعادته.
قوله تعالى: " لا تستوي الحسنة ولا السيئة " الآية لما ذكر أحسن القول وأنه الدعوة إلى الله والقائم به حقا هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم التفت إليه ببيان أحسن الطريق إلى الدعوة وأقربها من الغاية المطلوبة منها وهي التأثير في النفوس فخاطبه بقوله:
" لا تستوي " الخ.
فقوله: " لا تستوي الحسنة ولا السيئة " أي الخصلة الحسنة والسيئة من حيث حسن التأثير في النفوس، و " لا " في " ولا السيئة " زائدة لتأكيد النفي.
وقوله: " ادفع بالتي هي أحسن " استئناف في معنى دفع الدخل كأن المخاطب لما سمع قوله: " لا تستوي " الخ قال: فما ذا أصنع؟ فقيل: " ادفع " الخ والمعنى