قوله تعالى: " الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء " إلى آخر الآية القرار المستقر الذي يستقر عليه، والبناء - على ما قيل - القبة ومنه أبنية العرب للقباب المضروبة (؟) عليهم. يذكر تعالى نعمة استقرار الانسان على الأرض وتحت السماء.
وقوله: " وصوركم فأحسن صوركم " الفاء للتفسير والمعنى أحسن خلق صوركم وذلك أن الانسان جهز من دقائق التجهيز في صورته بما يقوى به من الأعمال المتنوعة العجيبة على مالا يقوى عليه شئ من سائر الموجودات الحية، ويلتذ من مزايا الحياة بما لا يتيسر لغيره أبدا.
وقوله: " ورزقكم من الطيبات " هي الأرزاق المتنوعة التي تلائم بطبائعها طبيعة الانسان من الحبوب والفواكه واللحوم وغيرها، وليس في الحيوان متنوع في الرزق كالانسان.
وقوله: " ذلكم الله ربكم " أي المدبر لامركم، وقوله: " فتبارك الله رب العالمين " ثناء عليه عز وجل بربوبيته لجميع العالمين، وقد فرعه على ربوبيته وتدبيره للانسان إشارة إلى أن الربوبية واحدة وتدبيره لأمر الانسان عين تدبيره لأمر العالمين جميعا فإن النظام الجاري نظام واحد روعي في انطباقه على كل، انطباقه على الكل فهو سبحانه متبارك منشأ للخير الكثير فتبارك الله رب العالمين.
قوله تعالى: " هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين " الخ في جملة " هو الحي " إطلاق لا مقيد له لا عقلا ولا نقلا مضافا إلى إفادة الحصر فمفادها أن له تعالى وحده حياة لا يداخلها موت ولا يزيلها فناء فهو تعالى حي بذاته وغيره كائنا ما كان حي بإحياء غيره.
وإذا فرض هناك حي بذاته وحي بغيره لم يستحق العبادة بذاته إلا من كان حيا بذاته، ولذلك عقب قوله: " هو الحي " بقوله: " لا إله إلا هو "..
وقد سيقت الجملتان توطئة للامر بدعائه ولا مطلق دعائه بل دعائه بالتوحيد وإخلاص الدين له وحده لأنه الحي بذاته دون غيره ولأنه المعبود بالاستحقاق الذاتي دون غيره، ولذلك فرع على قوله: " هو الحي لا إله إلا هو " قوله: " فادعوه مخلصين له الدين ".