عبادته وحده فلا تلغو الدعوة الدينية بتنزيل الكتاب، وذكر كون مصير الكل ورجوعهم إليه وهو البعث للإشارة إلى أنه هو السبب العمدة الداعي إلى الايمان بالكتاب واتباعه فيما يدعو إليه لان الاعتقاد بيوم الحساب هو الذي يستتبع الخوف والرجاء خوف العقاب ورجاء الثواب الداعيين إلى عبادة الله سبحانه.
قوله تعالى: " ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد " لما ذكر تنزيل الكتاب وأشار إلى الحجة الباهرة على حقيته، المستفادة من صفاته الكريمة المعدودة في الآيتين، الدالة على أنه منزل بعلمه الذي لا يشوبه جهل وبالحق الذي لا يدحضه باطل تعرض لحال الذين قابلوا حججه الحقة بباطل جدالهم فلوح إلى إن هؤلاء أهل العقاب وليسوا بفائتين ولا مغفولا عنهم فإنهم كما نزل الكتاب ليغفر الذنب ويقبل التوب كذلك نزله ليعاقب أهل العقاب فلا يسوءن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جدالهم ولا يغرنه ما يشاهده من حالهم.
فقوله: " ما يجادل في آيات الله " لم يقل: ما يجادل فيه أي في القرآن ليدل على أن الجدال في الحق الذي تدل عليه الآيات بما هي آيات. على أن طرف جدالهم هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو داع إلى الحق الذي تدل عليه الآيات فجدالهم لدفع الحق لا للدفاع عن الحق. على أن الجدال في الآية التالية مقيدة بالباطل لادحاض الحق.
فالمراد بالمجادلة في آيات الله هي المجادلة لادحاضها ودفعها وهي المذمومة ولا تشمل الجدال لاثبات الحق والدفاع عنه كيف؟ وهو سبحانه يأمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك إذا كان جدالا بالتي هي أحسن قال تعالى: " وجادلهم بالتي هي أحسن " النحل: 125.
وقوله: " إلا الذين كفروا " ظاهر السياق أنهم الذين رسخ الكفر في قلوبهم فلا يرجى زواله، وقد قيل: " ما يجادل " ولم يقل: لا يجادل، وكذا ظاهر قوله:
" فلا يغررك تقلبهم في البلاد " أن المراد بهم الكفار المعاصرون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن لم يكونوا من أهل مكة.
وتقلبهم في البلاد انتقالهم من طور من أطوار الحياة إلى طور آخر ومن نعمة إلى