وفيه أن السياق يؤيد كون المراد بيومئذ يوم القيامة كما يشهد به قولهم: " وقهم عذاب الجحيم " وقولهم: " وأدخلهم جنات عدن " الخ فالحق أن المراد بالسيئات ما يظهر للناس يوم القيامة من الأهوال والشدائد.
ويظهر من هذه الآيات المشتملة على دعاء الملائكة ومسألتهم:
أولا: أن من الأدب في الدعاء أن يبدء بحمده والثناء عليه تعالى ثم يذكر الحاجة ثم يستشفع بأسمائه الحسنى المناسبة له.
وثانيا: أن سؤال المغفرة قبل سؤال الجنة وقد كثر ذكر المغفرة قبل الجنة في كلامه تعالى إذا ذكرا معا، وهو الموافق للاعتبار فإن حصول استعداد أي نعمة كانت بزوال المانع قبل حصول نفس النعمة.
وذكر بعضهم أن في قوله: " فاغفر للذين تابوا " الآية دلالة على أن إسقاط العقاب عند التوبة تفضل من الله تعالى إذ لو كان واجبا لكان لا يحتاج فيه إلى مسألتهم بل كان يفعله الله سبحانه لا محالة.
وفيه أن وجوب صدور الفعل عنه تعالى لا ينافي صحة مسألته وطلبه منه تعالى كما يشهد به قولهم بعد الاستغفار: " ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم " فقد سألوا لهم الجنة مع اعترافهم بأن الله وعدهم إياها ووعده تعالى واجب الانجاز فإنه لا يخلف الميعاد، وأصرح من هذه الآية قوله يحكي عن المؤمنين: " ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد " آل عمران: 194.
وقبول التوبة مما أوجبه الله تعالى على نفسه وجعله حقا للتائبين عليه قال تعالى:
" إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم " النساء: 17 فطلب كل حق أوجبه الله تعالى على نفسه منه كسؤال المغفرة للتائب هو في الحقيقة رجوع إليه لاستنجاز ما وعده وإظهار اشتياق للفوز بكرامته.
وكذا لا يستلزم التفضل منه تعالى كون الفعل جائز الصدور غير واجبه فكل عطية من عطاياه تفضل سواء كانت واجبة الصدور أم لم تكن إذ لو كان فعل من أفعاله واجب الصدور عنه لم يكن إيجابه عليه بتأثير من غيره فيه وقهره عليه إذ هو المؤثر في كل شئ لا يؤثر فيه غيره بل كان ذلك بإيجاب منه تعالى على نفسه ويؤل معناه إلى