الغيبة ويتبعه فيه الارسال فإن فعل الغائب غائب، ثم لما قال: " فتثير سحابا " على نحو حكاية الحال الماضية صار المخاطب كأنه يرى الفعل ويشاهد الرياح وهي تثير السحاب وتنشره في الجو فصار كأنه يرى من يرسل الرياح لان مشاهدة الفعل كادت أن لا تنفك عن مشاهدة الفاعل فلما ظهر تعالى بنعت الحضور غير سياق كلامه من الغيبة إلى التكلم واختار لفظ التكلم مع الغير للدلالة على العظمة.
وقوله: " فأحيينا به الأرض " ولم يقل: فأحييناه مع كفايته وكذا قوله:
" بعد موتها " مع جواز الاكتفاء بما تقدمه للاخذ بصريح القول الذي لا ارتياب دونه.
قوله تعالى: " من كان يريد العزة فلله العزة جميعا " قال الراغب في المفردات:
العزة حالة مانعة للانسان من أن يغلب من قولهم: أرض عزاز أي صلبة قال تعالى:
" أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا " انتهى.
فالصلابة هو الأصل في معنى العزة ثم توسع فاستعمل العزيز فيمن يقهر ولا يقهر كقوله تعالى: " يا أيها العزيز مسنا " يوسف: 88. وكذا العزة بمعنى الغلبة قال تعالى:
" وعزني في الخطاب " ص: 23 والعزة بمعنى القلة وصعوبة المنال، قال تعالى: " وإنه لكتاب عزيز " حم السجدة: 41 والعزة بمعنى مطلق الصعوبة قال تعالى: " عزيز عليه ما عنتم " التوبة: 138 و العزة بمعنى الانفة والحمية قال تعالى: " بل الذين كفروا في عزة وشقاق " ص: 2 إلى غير ذلك.
ثم إن العزة بمعنى كون الشئ قاهرا غير مقهور أو غالبا غير مغلوب تختص بحقيقة معناها بالله عز وجل إذ غيره تعالى فقير في ذاته ذليل في نفسه لا يملك لنفسه شيئا إلا أن يرحمه الله ويؤتيه شيئا من العزة كما فعل ذلك بالمؤمنين به قال تعالى: " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " المنافقون: 8.
وبذلك يظهر أن قوله: " من كان يريد العزة فلله العزة جميعا " ليس بمسوق لبيان اختصاص العزة بالله بحيث لا ينالها غيره وأن من أرادها فقد طلب محالا وأراد ما لا يكون بل المعنى من كان يريد العزة فليطلبها منه تعالى لان العزة له جميعا لا توجد عند غيره بالذات.
فوضع قوله: " فلله العزة جميعا " في جزاء الشرط من قبيل وضع السبب موضع