والكافر في الكمال الفطري وإن تشاركا في غالب الخواص الانسانية وآثارها فالمؤمن باق على فطرته الأصلية ينال بها سعادة الحياة الدائمة والكافر منحرف فيها متلبس بما لا تستطيبه الفطرة الانسانية وسيعذب بأعماله فمثلهما مثل البحرين المختلفين عذوبة وملوحة فهما مختلفان من حيث البقاء على فطرة الماء الأصلية وهي العذوبة والخروج عنها بالملوحة وإن اشتركا في بعض الآثار التي ينتفع بها، فمن كل منهما تأكلون لحما طريا وهو لحم السمك والطير المصطاد من البحر وتستخرجون حلية تلبسونها كاللؤلؤ والمرجان والأصداف.
فظاهر الآية أن الحلية المستخرجة مشتركة بين البحر العذب والبحر المالح لكن جمعا من المفسرين استشكلوا ذلك بأن اللؤلؤ والمرجان إنما يستخرجان من البحر المالح دون العذب، وقد أجابوا عنه بأجوبة مختلفة.
منها أن الآية مسوقة لبيان اشتراك البحرين في مطلق الفائدة وإن اختص ببعضها كأنه قيل: ومن كل تنتفعون وتستفيدون كما تأكلون منهما لحما طريا وتستخرجون من البحر المالح حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر.
ومنها أنه شبه المؤمن والكافر بالعذب والأجاج ثم فضل الأجاج على الكافر بأن في الأجاج بعض النفع والكافر لا نفع في وجوده فالآية على طريقة قوله تعالى: " ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة " ثم قال: " وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله " البقرة: 74.
ومنها أن قوله: " وتستخرجون حلية تلبسونها " من تتمة التمثيل على معنى أن البحرين وإن اشتركا في بعض المنافع تفاوتا فيما هو المقصود بالذات لان أحدهما خالطه ما خرج به عن صفاء فطرته والمؤمن والكافر وإن اتفقا أحيانا في بعض المكارم كالشجاعة والسخاوة متفاوتان فيما هو الأصل لبقاء أحدهما على صفاء الفطرة الأصلية دون الاخر.
ومنها أنه لا مانع من أن يخرج اللؤلؤ من المياه العذبة وإن لم نره فالاشكال باختصاص الحلية بالماء المالح ممنوع.
ومنها منع أصل الدعوى وهو كون الآية " وما يستوي البحران " الخ. تمثيلا