قوله تعالى: " وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون " تذليل الانعام جعلها منقادة لهم غير عاصية وهو تسخيرها لهم، والركوب بفتح الراء الحمولة كالإبل والبقر، وقوله: " ومنها يأكلون " أي من لحمها يأكلون.
قوله تعالى: " ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون " المراد بالمنافع ما ينتفعون به من شعرها ووبرها وجلودها وغير ذلك، والمشارب جمع مشرب - مصدر ميمي بمعنى المفعول - والمراد بها الألبان، والكلام في معنى الشكر كالكلام فيما تقدم في قوله: " وما عملته أيديهم أفلا يشكرون ".
ومعنى الآيات الثلاث: أو لم يعلموا أنا خلقنا لأجلهم ولتدبير أمر حياتهم الدنيا أنعاما من الإبل والبقر والغنم فتفرع على ذلك أنهم مالكون لها ملكا يصحح لهم أنواع تصرفاتهم فيها من غير معارض، وذللناها لهم بجعلها مسخرة لهم منقادة غير عاصية فمنها ركوبهم الذي يركبونه، ومنها أي من لحومها يأكلون، ولهم فيها منافع ينتفعون بأشعارها وأوبارها وجلودها ومشروبات من ألبانها يشربونها أفلا يشكرون الله على هذا التدبير الكامل الذي يكشف عن ربوبيته لهم؟ أو لا يعبدونه شكرا لأنعمه؟.
قوله تعالى: " واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون " ضمائر الجمع للمشركين، و المراد بالآلهة الأصنام أو الشياطين وفراعنة البشر دون الملائكة المقربين والأولياء من الانسان لعدم ملاءمة ذيل الكلام: " وهم لهم جند محضرون " لذلك.
وإنما اتخذوهم آلهة رجاء أن ينصروا من ناحيتهم لان عامتهم تتخذ إلها زعما منهم أن تدبير أمره مفوض إلى من اتخذه إلها من خير أو شر فيعبده العابد منهم ليرضيه بعبادته فلا يسخط فيقطع النعمة أو يرسل النقمة.
قوله تعالى: " لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون " أي لا يستطيع هؤلاء الالهة الذين اتخذوهم آلهة نصر هؤلاء المشركين لأنهم لا يملكون شيئا من خير أو شر.
وقوله: " وهم لهم جند محضرون " الظاهر أن أول الضميرين للمشركين وثانيهما للآلهة من دون الله والمراد أن المشركين جند للآلهة وذلك أن من لوازم معنى الجندية التبعية والملازمة والمشركون هم المعدودون أتباعا لآلهتهم مطيعين لهم دون العكس.