مصداقا للشأن لا حمل الامر على القول بمعنى ما يقابل النهي.
وقوله: " إذا أراد شيئا " أي إذا أراد إيجاد شئ كما يعطيه سياق الآية وقد ورد في عدة من الآيات القضاء مكان الإرادة كقوله: " إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون (1) " ولا ضير فالقضاء هو الحكم والقضاء و الحكم والإرادة من الله شئ واحد وهو كون (2) الشئ الموجود بحيث ليس له من الله سبحانه إلا أن يوجد فمعنى إذا أردناه إذا أوقفناه موقف تعلق الإرادة.
وقوله: " أن يقول له كن " خبر إنما أمره أي يخاطبه بكلمة كن ومن المعلوم أن ليس هناك لفظ يتلفظ به وإلا احتاج في وجوده إلى لفظ آخر وهلم جرا فيتسلسل ولا أن هناك مخاطبا ذا سمع يسمع الخطاب فيوجد به لأدائه إلى الخلف فالكلام تمثيل لإفاضته تعالى وجود الشئ من غير حاجة إلى شئ آخر وراء ذاته المتعالية ومن غير تخلف ولا مهل.
وبه يظهر فساد ما ذكره بعضهم حيث قال: الظاهر أن هناك قولا لفظيا هو لفظ كن وإليه ذهب معظم السلف وشؤون الله تعالى وراء ما تصل إليه الافهام فدع عنك الكلام والخصام. انتهى.
وذلك أن ما ذكره من كون شؤونه تعالى وراء طور الافهام لو أبطل الحجة العقلية القطعية بطلت بذلك المعارف الدينية من أصلها فصحة الكتاب مثلا بما يفيده من المعارف الحقيقية إنما تثبت بالحجة العقلية فلو بطلت الحجة العقلية بكتاب أو سنة أو شئ آخر مما يثبت هو بها لكان ذلك الدليل المبطل مبطلا لنفسه أو لا فلا تزل قدم بعد ثبوتها.
ومن المعلوم أن ليس هناك إلا الله عز اسمه والشئ الذي يوجد لا ثالث بينهما وإسناد العلية والسببية إلى إرادته دونه تعالى - والإرادة صفة فعلية منتزعة من مقام الفعل كما تقدم - يستلزم انقطاع حاجة الأشياء إليه تعالى من رأس لاستيجابه استغناء الأشياء بصفة منتزعة منها عنه تعالى وتقدس.