قوله تعالى: (قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون) أخذت الملائكة في جوابهم عن سؤاله تعالى بجوامع الأدب فنزهوه سبحانه أولا تنزيها مطلقا فيه تنزيهه من أن يعبدوا من دونه ثم نفوا رضاهم بعبادة المشركين لهم لكن لا بالتصريح بنفي الرضا بالعبادة ولا بالتفوه بعبادتهم صونا لساحة المخاطبة عما يقرع السمع بذلك، ولو تصورا لا تصديقا بل أجابوا بقصر ولايتهم فيه تعالى ونفيها عنهم ليدل على نفى الرضا بعبادتهم لهم على طريق الكناية فان الرضا بعبادتهم لازمه الموالاة بينهم، والموالاة بينهم تنافى قصر الولاية في الله سبحانه فإذا انحصرت الولاية فيه تعالى لم تكن موالاة وإذا لم تكن موالاة لم يكن رضا.
ثم قالوا على ما حكاه الله سبحانه: (بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون) والجن هم الطائفة الثانية من الطوائف الثلاث التي يعبدهم الوثنيون وهم الملائكة والجن والقديسون من البشر، والأقدم في استحقاق العبادة عندهم هم الطائفتان الأوليان والطائفة الثالثة ملحقة بهما بعد الكمال وان كانوا أفضل منهما.
والاضراب في قولهم: (بل كانوا يعبدون الجن) يدل على أن الجن كانوا على رضى من عبادتهم لهم.
وهؤلاء من الجن هم الذين يعدهم الوثنيون مبادئ الشرور في العالم فيعبدونهم اتقاء من شرورهم كما يعبدون الملائكة طمعا في خيراتهم لما أنهم مباد للخيرات لا كما قيل: ان المراد بالجن إبليس وذريته وقبيله ومعنى عبادتهم لهم طاعتهم فيما دعوهم إليه من عبادة الملائكة أو مطلق المعاصي، ويرده ما وقع في الآية من التعبير بلفظ الايمان دون الطاعة ولا ما قيل: انهم كانوا يتمثلون لهم ويخيلون لهم أنهم الملائكة فيعبدونهم ولا ما قيل: انهم كانوا يدخلون أجواف الأصنام إذا عبدت فيعبدون بعبادتها.
ولعل الوجه في نسبة الايمان بهم إلى أكثرهم دون جميعهم أن أكثرهم يعبدون الالهة اتقاء من طروق الشر من قبلهم، ومبادئ الشر عندهم مطلقا الجن لا كما قيل: ان المراد بالأكثر الكل، وهو مبنى على تفسير العبادة بمعنى الطاعة وقد عرفت ما فيه.
قوله تعالى: (فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا