آخر الآية، أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يحتج على ابطال ألوهية آلهتهم بعدم قدرتهم على استجابة الدعاء، فقوله: (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله) أي ادعوا الذين زعمتموهم آلهة من دون الله - فمفعولا (زعمتم) محذوفان لدلالة السياق عليهما - ودعاؤهم هو مسألتهم شيئا من الحوائج.
وقوله: (لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض) واقع موقع الجواب كأنه قيل: فماذا يكون إذا دعوهم؟ فقيل: لا يستجيبون لهم بشئ لأنهم (لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض) ولو ملكوا لاستجابوا، ولا تتم الربوبية والألوهية الا بأن يملك الرب والاله شيئا مما يحتاج إليه الانسان فيملكه له وينعم عليه به فيستحق بإزائه العبادة شكرا له فيعبد، أما إذا لم يملك شيئا فلا يكون ربا ولا الها.
وقوله: (وما لهم فيهما من شرك) كان الملك المنفى في الجملة السابقة (لا يملكون) الخ، الملك المطلق المنبسط على الجميع والمنفي في هذه الجملة الملك المحدود المتبعض الذي ينبسط على البعض دون الكل اما مشاعا أو مفروزا، لكن المشركين ما كانوا يقولون بالملك المشترك بينهم وبين الله سبحانه مشاعا بل كانوا يقولون بملك كل من آلهتهم لنوع من الخلقة أو بعض منها، وأما الله سبحانه فهو رب الأرباب واله الالهة.
وعلى هذا كان من الواجب أن يستجيب آلهتهم إذا دعوا فيما يملكونه من الخلقة وعدم استجابتهم كاشف عن عدم ربوبيتهم وألوهيتهم.
وقوله: (وما له منهم من ظهير) أي ليس لله سبحانه منهم كلا أو بعضا من معين يعينه فيما يفرض فيه عجزه عن القيام بأمر تدبيره إذ لو كان له منهم ظهير يظهره على التدبير كان مالكا فيستجيب إذا دعي فيما هو ظهير بالنسبة إليه وإذ ليس فليس.
فتبين مما تقدم أن احتجاج الآية على نفى الملك بانتفاء استجابتهم دعاء الداعي يجرى في جميع الصور الثلاث وهي ملكهم لما في السماوات وما في الأرض مطلقا وملكهم على وجه الشركة مع الله سبحانه وكونهم أو بعضهم ظهيرا لله سبحانه.
قوله تعالى: (ولا تنفع الشفاعة عنده الا لمن أذن له) المشركون كانوا يقولون بشفاعة آلهتهم كما حكاه الله سبحانه عنهم بقوله: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) يونس: 18،